هناك تيار فى مصر يقاوم التغيير ويبدى سخرية من أى شخص أو جماعة ترفع راية التغيير. بعض كبار أحباء الحزب الوطنى مثلا يرون فى كل من يطالب بالتغيير وكأنه مصاب بفيروس خطير يتطلب علاجه. هذا التيارنفسه ماكان له أن يظهر لولا دعاوى التغيير، فقد كان الحراك السياسى من خمس سنوات والذى أظهر ضعف الحزب الوطنى، هو الذى جعل حرسه الجديد يستعين بإعلاميين وسياسيين ومثقفين لزوم الدعاية، ومواجهة الخصوم، ومع أن هؤلاء استفادوا من هجوم التغيير، فإنهم يرفضونه وهم معذورون لأنهم مستفيدون من بقاء الحال على ما هو عليه.
لكن من يرفضون التغيير ليسوا نوعا واحدا بل أنواعا ودرجات، منهم المستفيد من الوضع الحالى الذى يخاف على موقعه أو منصبه، يعتقد أنه مدين بوجوده للحزب الوطنى أو أمانة السياسات، الذى وظفهم ووفر لهم إمكانات كثيرة وهؤلاء على استعداد لعمل أى شيء من أجل ثبات الأوضاع على أنهم أو بعضهم كانوا ينادون بالتغيير، لكن دعوتهم تنتهى بعد أن يتم التغيير لصالحهم، فيصبحون مع "البقاء".
وهناك أمن يرفضون التغيير خوفا، وترى الواحد يقول لك "يا عم إللى نعرفه أحسن من إللى ما نعرفوش"، ويبدى هؤلاء خوفا من الفوضى التى يمكن أن يقود إليها أى تغيير يحدث. وبعض هؤلاء يتأثرون بدعايات قسم من المستفيدين يروجون دائما لنظرية تقول إن التغيير عادة يأتى بالأسوأ، وبالتالى وأن من يطالبون بالتغيير مدفوعون ومدفوع لهم، ويعملون لصالح أجندات أجنبية.
ويمكن أن تتوقع من هؤلاء أن يهاجموا كل من يرشح نفسه ضد مرشح رسمى فى نقابة أو برلمان، وكل من يدعو لجعل منصب الرئاسة بالانتخاب الحقيقى وليس الانتخاب الاستفتائى، ويسخرون من كل من يرفع راية التغيير، وهؤلاء على طول الخط يساندون مرشح الوضع القائم، لأنهم يساندون أنفسهم.
ويحاول أعداء التغيير البرهنة على صحة نظريتهم بالإشارة إلى تجارب حدث فيها التغيير إلى الأسوأ أو هم يرون ذلك، ويشيرون إلى تجربة فلسطين، حيث أدت الانتخابات إلى صعود حماس إلى صراع وانقسام، وأن تجربة لبنان أدت إلى الطائفية. هؤلاء يتجاهلون الكثير من التجارب التى انتهت إلى تغيير وتبادل للسلطة لم يؤد إلى حرب أهلية، وكل دول العالم تجرى فيها انتخابات مرة فى السنة على الأقل بين برلمانات ومحليات وعمد ورؤساء مدن، وهذه الدول تعيش فى سعادة وتواجه مشكلاتها بكل وضوح لأن المسئول يجد نفسه مسئولا أمام الشعب والناخبين.
لكن أعداء التغيير عندنا ـ فى مصر أو تونس أو ليبيا أو سوريا ـ يشيرون دائما إلى أن التغيير قد يضر بالناس إذا جاء التصويت فى اتجاه خاطئ، وهؤلاء يعيِّنون أنفسهم أوصياء على المواطن ويدعون أنهم يفهمون أفضل من الناس دون أن يدركوا أن التصويت الخاطئ فى حد ذاته نوعا من الديموقراطية، وأن الناخب سرعان ما سوف يغير رأيه أو يصوت فى اتجاه العكس.
ولا يعنى هذا أن كلَّ من يطالب بالتغيير حسن النية، أو أن كل مظاهر الدعوة للتغيير هى مطالبة فعلا بالتغيير، لكن الحقيقة أن استمرار الحال لأعلى ما هو عليه هو أسوأ ما يمكن تصوره من احتمالات لأنه يحرم الناس من الطموح، والأمل.. وحتى من يقف أو يجلس فى وضع ثابت تصاب أعضاؤه بالتنميل، فما بالنا بحزب أو جماعة ظلوا لفترة طويلة يمارسون الحكم على غير رغبة من الناس، ولو أجريت انتخابات حرة سوف يسقط هؤلاء جميعا ليس لأنهم كلهم سيئون، وإنما على سبيل التغيير، الذى يصبح أحيانا أفضل من البقاء فى المكان.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة