تابعت مع أهل المحروسة أخبار وأنباء ظهور السيدة مريم العذراء أعلى كنيسة الوراق بالقاهرة، ومنذ أيام سمعت عن تجلى ظهورها أعلى كنيسة الزيتون وسط احتشاد المئات والآلاف من طوائف مصر المختلفة.
وفى نفس الصدد تناقل إلى مسامع أهل المحروسة أخبار تجليها مرات متعددة بالمنيل، ومسرة، وصفط اللبن، وعزبة النخل، وأخيراً بمنطقة شبراً. وأنا على حد علمى أن العذراء قد تجلت بالزيتون عام 1968م عقب هزيمتنا فى يونيو 67 م.
ولا أدرى هل لسوء حظى أم لسعادته أن صديقاً كان جالساً بجوارى وقت الاستماع لتلك التجليات. أما سوء الحظ لأن قلب صديقى امتلأ بالحقد والغل والسواد، حينما قال لى لماذا تظهر العذراء فقط فى مصر؟ ولماذا يكون تجليها تحديداً فى القاهرة؟ أم سعادة حظى أن كلامه هذا أجبر عقلى على معاودة التفكير، حيث إن التفكير أصبح وبالاً وكارثة قد تجر صاحبها إلى هاوية سحيقة مظلمة.
ورغم أننى أتمتع بصداقات عميقة مع بعض الإخوة المسيحيين فى مصر وخارجها أيضاً، إلا أننى لم أفطن حتى الآن سبباً واحداً منعنى من الاستفسار حول حقيقة تجلى السيدة العذراء مؤخراً فى سماء القاهرة. وفى ظل محاولتى لجمع المعلومات حول هذا التجلى وجدت قداسة البابا شنودة يعلن يوم الأربعاء الماضى فى عظته الأسبوعية الأولى أنَّ ظهور العذراء الأخيرة بكنيسة بالوراق حقيقة واضحة شاهدها الآلاف من المسلمين والمسيحيين أرثوذكس أو كاثوليك، وقال إن إنكار البعض لها لا يعنى أنها لم تتجلَ، مقرراً إصدار بيان رسمى عن الكنيسة خلال الأسبوع المقبل يؤكد ظهور العذراء.
ولأننى حريص على بقاء تلك العلاقة الطيبة التى تربطنى والإخوة الأقباط سأكتفى بالصمت على خبر التجلى مؤقتاً ومتحفظاً على حقيقة مثل هذا التجلى والظهور. ولكنى سأرجع إلى سؤال صديقى الحاقد والحاسد الذى امتلأ قلبه سواداً ودهشته من ظهور السيدة العذراء فى مصر دون غيرها كالفاتيكان مثلاً، أو بعد كارثة تسونامي، أو انهيار برجى التجارة العالمي، أو سقوط الطائرات المدنية الإيرانية المتكرر على سبيل المثال.
وأنا أرى أن دهشته تلك لا محل لها، كالاسم الموصول فى القواعد العربية، لأن تجليها ربما يعنى عدة أشياء، منها أن أهل مصر والقاهرة تحديداً هم أكثر أهل الأرض إيماناً، ثانياً ربما يحمل ظهوراً ليلاً وليس نهاراً فى سماء القاهرة معجزة أقوى من ظهورها نهاراً فى مدينة رشيد عقب غرق المعدية النهرية هناك مثلاً، أو تجليها عصراً فى مدينة بنى مزار بالمنيا بعد مقتل السيدة وأبنائها الثلاثة على يد مجهول.
وربما أرجع البعض أن أهل القاهرة دائما فى يقظة، لا ينامون ولا يهدأون بخلاف سكان المحافظات الإقليمية الذين يذهبون للعمل نياماً ويعودون سريعاً لبيوتهم من أجل النوم، فلماذا تتجلى العذراء إذن لقوم وهم نيام.
ولست مع القائلين وهم من الحاقدين بمعنى بسيط من الناس الوحشين الذين ذهبوا برأيهم بأن الكنيسة وراء ذلك بإطلاقها أضواء وإشارات ضوئية فوق أجراسها تحمل صوراً للسيدة الطاهرة العذراء مريم، فالكنيسة المصرية بالقطع وراءها أعباء ومشكلات أهم من شحذ طاقاتها لإبهار المواطنين، فالكنيسة مشغولة ومهمومة بقضايا الاحتقان والتمييز الدينى، والاستبعاد الاجتماعى، والكوتة البرلمانية، بالإضافة إلى مشكلتها الرئيسة هذه الآونة وهى تحول بعض الشباب القبطى من طائفته الأرثوذكسية إلى الطائفة الإنجيلية، علاوة على القضايا المعلقة مثل الطلاق، وتعدد الزوجات.
ولنفترض مجازاً ظهور السيدة الطاهرة العذراء مريم حصرياً فى سماء القاهرة، فهل تجليها يعد نوعاً من المباركة على أهل المحروسة، أم هو نوع من الاحتجاج والرفض على فساد الفاسدين والمفسدين، وهل الظهور يحمل نوعاً من الطمأنينة لهذا الشعب الذى يذهب ضحية يومية لأنفلونزا الخنازير التى تقف وزارة الصحة متضامنة مع التربية والتعليم عاجزة عن المواجهة والصمود.
بخلاف ما سبق كله، تعد السيدة الطاهرة العذراء مريم خير نساء أهل الأرض، وفى أحاديث مختلفة للنبى صلى الله عليها وسلم تعد خير نساء العالمين فى الجنة، فهل تجليها هو نوع من الامتقاع والاحتجاج على خيانة الأزواج لزوجاتهم، وبالعكس تماماً، فى ظل ما نسمعه ونقرؤه يومياً من خيانة وهروب وتأمر مع عشيق لقتل زوج وهو نائم.
ظهرت العذراء مريم أو لم تظهر، فنحن نحبها جميعاً أقباطاً ومسلمين، القضية ليست تتجسد فى الظهور ليلاً أو نهاراً، ولم تتلخص فى ظهورها الحقيقى أم من خلال الإشارات الضوئية من خلال الليزر، الأهم من ذلك كله أوجه الظلمة فى قلوبنا والتى تزداد حلكة وسواداً لا ينقضى، القضية هى ابنتك التى تنتظر حتفها وهى ذاهبة لمدرستها وفيروس أنفلونزا الخنازير يتحور وأنا وأنت جلوس فى انتظار دواء يأتى من الخارج ونحن لا نصنعه، الأزمة هى استيرادنا لأعواد الكبريت من باكستان أو الهند لأن مناهجنا لا تفى بإعداد وتخريج طالب قادر على الاكتشاف والتصنيع.
فلننظر إلى سماء القاهرة وهى تضىء بصورة العذراء مريم، ولنمسك بمناديلنا خشية العطس من شدة البرد وقوفاً، ولندعو لأبنائنا بأن يحفظهم الله وهم ذاهبون إلى المدرسة النظيفة الجميلة المتقدمة المتطورة، ولا تنسوا أن تشعلوا سجائركم بأعواد الثقاب المستوردة من بانكوك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة