إهدار المال العام بهيئة قصور الثقافة

السبت، 26 ديسمبر 2009 09:30 م
إهدار المال العام بهيئة قصور الثقافة فاروق حسنى وزير الثقافة
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا مثلك تمامًا، أشاهد الأخبار وأقرأها وأتفرج عليها وأتعجب منها، ورغم تورطى فى الحياة الثقافية من سنين لكننى أفضل دائما أن أكون مثلك تمامًا، أضرب كفا على كف، وألعن من أراه يستحق اللعنة، وأتمنى أن تذهب الحقوق إلى أصحابها والخبرات لأهلها، والأموال لمن يحتاجونها، مثلك تماما أرى أن الثقافة ثقافة، والتهريج تهريج، وأتألم من استمرار المسرحيات الثقافية الهزلية فى الانتشار والتوغل والاستعراض.

تفرجت لك على مسرحية امتدت لثلاثة أيام بلياليها، تبعتها مسلسلات هزلية لا أحد يعرف ما الهدف منها وما الغرض من انتشارها، لم يضحك أحد ولم يبك أحد ولم يتفرج أحد، صانعوها هم أبطالها وجمهورها وكومبارساتها، المكان فى الإسكندرية والتاريخ من الثامن عشر من الشهر الحالى وحتى العشرين منه، عنوان كبير ضم هذه المسرحية هو "مؤتمر أدباء مصر" أما العنوان الفرعى فكان "المشهد الشعرى الراهن". تكلفة هذه المسرحية 672 ألف جنيه، ومنتجها هيئة قصور الثقافة بالتعاون مع محافظة الإسكندرية، والمدعوون 300 مثقف، والندوات أكدت على عدم مواكبة النقد للحركة الإبداعية والظلم الذى تعرضت له قصيدة النثر، والحداثة الشعرية وأثر العولمة، أما التوصيات فحدث ولا حرج، إدانة كل أشكال التطبيع الثقافى مع إسرائيل، والتمسك بضرورة حرية التعبير ورفض وصاية المؤسسات الدينية والرقابية على الإبداع.

"أى والله هذه هى التوصيات" ومع كامل احترامنا للهدف النبيل الذى تنشده التوصيات إلا أن تكرارها فى كل مؤتمرات الوزارة وعدم السير فى سبيل تنفيذها جعل منها أشبه "بالنكتة البايخة" التى ما إن تسمعها حتى تجلب لك اكتئابا حادا وتحسرا على ما آل إليه حال المثقفين والوزارة، والأدهى من هذا أن الوزارة ومؤسساتها هى من تخترق هذه التوصيات، وهى من دعت الإسرائيليين للأوبرا، وهى من صادرت مجلة إبداع وعرقلت صدورها، فكيف نصدق توصيات مؤتمر الوزارة فى حين أن الوزارة نفسها هى من تسير عليها "بأستيكة".

ثلاثة أيام بلياليها، اجتمع فيها المثقفون، والسبب مناقشة "المشهد الشعرى الراهن" ومن خلال متابعتى للأوراق البحثية والشهادات المتعددة للمؤتمر، لاحظت أن كل ما قيل فى المؤتمر لم يتجاوز دراسة "كمال أبو ديب" المنشورة فى مجلة فصول منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما، وبالمناسبة دراسة "أبو ديب" من وجهة نظرى أقوى وأعمق وأشمل وأدق من كل ما قيل، وبالمناسبة أيضا أعلم تمام العلم أن كلامى هذا سيغضب الكثيرين ممن حضروا المؤتمر ومعظمهم قامات إبداعية أعتز بها وأبجلها، لكننى لا أملك إلا أن أقول شهادتى هذه حتى لو كنت حاضرا لفعاليات المؤتمر وندواته.

ما يقرب من سبعمائة ألف جنيه أنفقتها هيئة قصور الثقافة فى ثلاث ليال ملاح، فماذا كانت النتيجة غير الإقامة فى الفنادق وإعادة إنتاج ما قيل؟ وهذا "وحده" يهدر إهدارا للمال العام فيما لا ينفع ولا يضيف جديدا، وما يؤكد عبثية هذا الإنفاق ولا جدواه هو عدم جدية القائمين عليه، سواء كانوا مثقفين حاضرين بأسمائهم أو موظفى الوزارة وقياداتها، فكيف يتقبل الواحد أن يعلم أن قيادات المؤتمر الذى أنفقوا من أجله 700 ألف جنيه لم يحضروا جلسة معدة لتطوير المؤتمر، ولم يكلفوا أنفسهم مشقة استقطاع ساعتين من نزهاتهم السكندرية من أجل أن "يحللوا" الأموال التى ينفقونها من أموال الشعب، وكيف يطالب أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة بأن يكون محور مؤتمر العام القادم هو مناقشة تطوير "المؤتمر" فإذا كان أعضاء أمانة المؤتمر لم يحضروا جلسة من ساعتين للهدف ذاته وفضلوا عليها نزهاتهم فى عروس البحر المتوسط، فهل سيلتزمون بحضور ثلاثة أيام لنفس الهدف؟ ولم أكن لأعترض لو أعلنت هيئة قصور الثقافة عن رحلة ترفيهية للإسكندرية ودعت إليها عددا من المثقفين على سبيل التكريم والاحتفاء، مقابل رسم اشتراك زهيد، لكن أن تضحك الهيئة على ذقون الرأى العام، وتوهمه أنها تساهم فى تنمية الوعى وتدعيم المعرفة بإقامة المؤتمرات فى حين أنها تدعوا إليها أسماء لا لزوم لها بحسب توصيف رئيس الهيئة إلا الشكل العام، فهذا ما لا يقبله عاقل ولا "يخيل" عليه.

"مؤتمر برستيج" هكذا يحلو لى أن أطلق على مؤتمر أدباء مصر الذى تصر الوزارة على إقامته كل عام متحملة تكاليف ليست فى وسع دافعى الضرائب من أبناء مصر "الشقيانين" فلا جدوى من فعاليات ولا اهتمام بالتوصيات ولا نية للتطوير، حتى الوزارة لم تكلف نفسها بمتابعة توصيات المؤتمر ومناشدات المشاركين فيه، وهذا ما أكده تصريح السيد الوزير حينما سأله اليوم السابع: هل ستتدخل للإفراج عن الروائى مسعد أبو فجر كما ناشدك الأدباء فى ختام المؤتمر وافتتاحه؟ فقال سيادته: مين مسعد أبو فجر؟ بما يدل على أنه لم يطلع على مناشدات الأدباء له أثناء الثلاث ليالى الملاح، كما يدل أيضا على تفاقم حالة الفصام الحاد بين الوزير من جهة وهيئة قصور الثقافة من جهة أخرى وكأن الهيئة لا تمت للوزارة بصلة ولا تشرف عليها.

توصيات لا يعلم بها ولا ينفذها أحد، فعاليات تتكرر الكلام المتعارف عليه، دعوة شخصيات لا لزوم لها، عدم جدية سائدة فى كل شىء، عشوائية عامة تمارسها الهيئة برشاقة تحسد عليها.. هذا هو مؤتمر أدباء مصر..سبعمائة ألف جنيه فى ثلاث ليال والمحصلة "صفر" وأنا مثلك تماما، أفضل أن يتم صرف هذه الأموال لعلاج عشرات الفقراء المحتاجين للعلاج على نفقة الدولة، أو لإصدار 350 ألف كتاب جديد بدلا من تسول المبدعين لدور النشر الخاصة، أو علاج الأديب الكبير محمد ناجى بدلا من تركه هكذا بين الحياة والألم، أو إنشاء 35 كشك لتوزيع الكتب فى الشوارع وتحت الكبارى بدلا من تركها هكذا كملجأ لتعاطى المخدرات واغتصاب الفتيات وقضاء "الحاجة". سبعمائة ألف جنيه تكفى لإنشاء قصر ثقافة جديد يزرع نور المعرفة بدلا من تسييد ظلام التشدد والتعصب الدينى، وتكفى للمساهمة فى إنشاء المتحف المصرى الجديد بدلا من فتح باب التبرعات من الشعب أو الاستجداءات من رجال الأعمال، ، سبعمائة ألف جنيه من مال الشعب يتم إهدارها بسلاسة وسهولة كل عام كما لو كانت مخصصات الدولة وأموال دافعى الضرائب "نهيبة" لكل عابر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة