فى العام الماضى احتجزت أجهزة الأمن السويسرية ابن الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى وزوجته للتحقيق بتهمة الاعتداء على خادمتهما، وبعد فترة قصيرة من إعلان الخبر جاء رد الفعل الليبى سريعاً ومهدداً بوقف التعامل مع الشركات السويسرية، ومنع شركة الطيران السويسرية من استعمال المطارات الليبية، ولم تتحمل سويسرا تلك التهديدات فتوجه الرئيس السويسرى هانس ريدولف ميرز إلى ليبيا لتقديم الاعتذار إلى الشعب والقيادة الليبية، وتم إصلاح الموقف بتجميد التحقيق.
قبل ثلاثة أسابيع قررت الحكومة السويسرية وقف بناء المآذن فى المساجد استجابة لاستفتاء شعبى، ولم يرتق رد فعل الحكومات العربية والإسلامية إلى قوة الرد الليبى، رغم الفرق الشاسع بين القضيتين.
ومع التذكير بما حدث من رد فعل شعبى ورسمى عنيف ضد الدنمارك بسبب نشر إحدى صحفها رسوما مسيئة لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، يزداد التساؤل: لماذا كان الغضب ضد الدنمارك عنيفا وضد سويسرا هادئاً، ولماذا لم تتساو على الأقل قضية المآذن مع قضية نجل الرئيس الليبى؟
الإجابة تأتى من حيث يوجد مال الأثرياء العرب والمسلمين، ففى حالة الدنمارك اشتعل الغضب لأنها بلد لا تحفظ فى بنوكها أموال هؤلاء الأثرياء، عكس سويسرا التى تحتفظ بما يقرب من 400 مليار دولار لأثرياء العرب فى مصارفها، أى أكثر من 10 % من إجمالى الأموال المتوفرة فى هذه المصارف وتبلغ 3.7 تريليون دولار، وذلك حسب تقديرات مصرفيين سويسريين.
وإذا كانت النسبة الأكبر من الـ 400 مليار دولار تعود إلى أثرياء خليجيين، فإن السؤال الذى يقفز إلى دائرة الاهتمام هو: هل توجد أموال مصرية ضمن هذا المبلغ؟
لا توجد فى هذه القضية معلومات كافية باستثناء ما كشفته قضايا فساد تم الكشف عنها فى سنوات سابقة، وأشهرها كانت قضية أسامة عبدالوهاب رئيس مجلس إدارة شركة الصناعات المعدنية، وكشفت محاكمته أنه وضع فى بنوك سويسرا نحو 205 ملايين دولار، وأن الإنتربول السويسرى أبلغ نظيره المصرى بقيام عبدالوهاب بعمليات غسل أموال على الأراضى السويسرية، وأسس لذلك شركة تدعى «أوشكا» كستار لعملياته غير القانونية.
وعملية اللجوء إلى البنوك السويسرية كانت تتم فى الماضى لأسباب خاصة باتباعها نظام سرية الحسابات، وبمقتضى هذا النظام لا يكون بمقدور أحد أن يعرف حسابات غيره، وبسبب هذا النظام يعتقد الكثيرون أن هناك أموالا تقدر بالمليارات توفى أصحابها ومنهم أثرياء عرب ولم يستطع الورثة معرفة تلك الأموال ولم يحصلوا عليها، وبالتالى عادت إلى البنوك السويسرية وعموم الاقتصاد السويسرى بالفائدة.
هذا النظام لم يمنع من الكشف عن ثروات هائلة لرؤساء سابقين فى البنوك السويسرية، وأبرزهم تجميد 645 مليون فرنك من أموال الرئيس الفلبينى الأسبق ماركوس، ثم تجميد 675 مليون فرنك لرئيس هايتى السابق جان كلود دوفالييه، وثلاثة ملايين دولار للرئيس المالى الأسبق موسى تراويه، و9 ملايين فرنك بالإضافة إلى فيللا بالقرب من لوزان لحساب رئيس الكونغو الأسبق موبوتو.
زحمة الأموال فى سويسرا ومنها الأموال العربية، لخصتها مجلة «بيلان» المالية السويسرية التى تهتم برصد ثروات أغنى الأغنياء المقيمين فى سويسرا، بقولها إن ثروات 7 من أثرياء العرب حتى العامين الماضيين بلغت من 14 إلى 18 مليار دولار.
هذه التخمة من الأموال العربية يمكن القول إنها كانت السبب فى خمود الاحتجاجات العربية والإسلامية نحو خطوة سويسرا بمنع بناء المآذن فى المساجد، كما أن اقتراحات سحب هذه الأموال من البنوك السويسرية لن تجد صدى لسبب بسيط، وهو أن قرار السحب فى حد ذاته من شأنه الكشف الكامل عن طبيعة هذه الأموال، وهل تم جمعها بطريقة شرعية أم لا، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى فضائح لاحصر لها، وبالتالى فإن التضحية بالاحتجاج ضد سويسرا يبقى اختياراً طبيعياً لأصحاب هذه الأموال الذين يمتلكون مؤسسات تستطيع تحريض الناس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة