هيبة الدولة والنظام فى مصر بدأت تضعف وتتآكل فى السنوات الأخيرة، وهناك أدلة وعلامات كثيرة على ذلك، آخرها ما حدث فى "عزبة " من رشق قسم الشرطة وجنود الأمن المركزى بالحجارة، بسبب الشروع فى هدم عمارات مخالفة..
وبهذا نكون قد انتقلنا فعلياً من مرحلة الاعتصامات السلمية والاحتجاجات على سلالم النقابات إلى الاشتباك المباشر مع الشرطة، وما حدث فى "الهجانة" حدث فى مناطق أخرى تكرر فيها هذا الفعل الرمزى، وأقصد الاعتداء على بعض رجال الداخلية من قبل مواطنين فى حوادث فردية وجماعية، فقد أصبح من المعتاد الآن أن تسمع عن مواطن اشتبك باليد مع عسكرى أو أمين أو ضابط شرطة لسبب أو لآخر، أو عن أهالى قرية فى مكان ما فى صعيد مصر، أو فى الوجه البحرى، قاموا بإحراق مركز شرطة لأنهم سمعوا عن واقعة تعذيب أدت إلى تشوية أو قتل أحد أقربائهم..وهنا خطورة الموضوع، ليس فقط لأن رجال الأمن هم حماة النظام وعنوانه، ولكن أيضاً لأن درجة الغضب والاحتقان لدى بعض الناس وصلت إلى مرحلة الغليان والانفجار الوشيك.
وإذا لم يتوقف النظام عند هذه الأحداث الفردية بالدراسة والتأمل والتحليل فالعاقبة ستكون وخيمة، وقد نفاجأ جميعاً بأحداث 17 و18 يناير أخرى خلال الأعوام القليلة القادمة.. وإذا لم تعلن الدولة خطة واضحة لإصلاح الخلل فى مؤسساتها والحرب على الفساد الذى عم البر والبحر فى ربوع "المحروسة"، والفجوة الطبقية التى تتسع يوماً بعد يوم، وإذا لم تضع حائلا بين المواطنين وبين بعض الأجهزة الأكثر فساداً وعلى رأسها المحليات، وبعض المصالح التى يتعامل معها المواطن بشكل مباشر، وتسود عليه عيشته وتنغص عليه حياته، فإن الأمور ربما تفلت من يدها، رغم كل الإجراءات الفعلية والاحترازية التى نجحت ولاتزال تنجح فى منحها القدرة على احتواء الغضب المكبوت فى النفوس، ولجم التمرد الذى يلوح فى عيون وتصرفات الناس، وينتظر حادثة عشوائية أو لحظة مواتية للانفجار..
وحالة الهوس التى تسود الشارع المصرى فى بعض المناسبات الكروية ربما تنقلب هى الأخرى فى مناسبات مختلفة إلى شكل آخر من أشكال التعبير غير المنضبط عن رفض أوضاع كثيرة قائمة ومظالم قديمة وجديدة يعانى منها الناس.. فانتبهوا أيها السادة.. فما حدث فى "الهجانة" وغيرها مجرد مؤشر على خطر قريب ومحقق.
• نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة