أكدت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن خسارة إصلاحيى الإخوان المسلمين فى انتخابات مكتب الإرشاد تؤكد - مما لا يضع مجالا للشك - أن المرشد القادم للجماعة سيأتى من صفوف الجناح المحافظ، مشيرة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين، التى تمثل أقوى حركات المعارضة وأكثرها تنظيما فى مصر والتى تستعد لانتخاب المرشد الأعلى خلال أيام، تمر بانقسام داخلى لم تشهد له مثيل من قبل بين "المحافظين" و"الإصلاحيين"، الذين انتخبوا هذا الأسبوع 16 عضوا فى مكتب الإرشاد.
وتؤكد الصحيفة أن ما من شك فى أن المرشد القادم للحركة، الذى سيخلف المرشد الحالى محمد مهدى عاكف، سيأتى من بين صفوف الجناح المحافظ الذى يهيمن على الحركة الآن، والذى يدعو إلى التفاف المنظمة حول الأصوليين الذين صنعوا نجاح هذه الحركة (من خلال الأعمال الاجتماعية والخيرية والتعليمية، والدعوة للعودة إلى الدين). خاصة أن الإصلاحيين من الإخوان المسلمين، وهم الأصغر سنا وأكثر نشاطا فيما يخص المدونات على شبكة الإنترنت، والذين يقاتلون من أجل الانفتاح على كل المعارضين السياسيين الآخرين لنظام الرئيس مبارك وينادون بمشاركة أكبر للحركة فى اللعبة السياسة، قد فقدوا ممثلهم الوحيد فى المكتب السياسى، وهو عبد المنعم أبو الفتوح الذى لم يتم انتخابه مثل نائب المرشد الدكتور محمد حبيب.
ولفتت الصحيفة إلى أنه رغم انتخاب إخوانى إصلاحى آخر يتمتع بشعبية، وهو الدكتور عصام العريان (55 عاما)، إلا أن الصحيفة تستبعد أى فرص له ليصبح المرشد الأعلى، إلا فى حالة حدوث معجزة والتى تعد بدورها غير محتملة هى الأخرى. وتقول الصحيفة عنه إنه طبيب معتدل، وهو يقبل، على عكس المبادئ الرسمية للحركة، أن تقوم امرأة أو مسيحى بترشيح نفسه لرئاسة الدولة، كما أنه يدعو إلى تعاون أكبر مع الغرب. بالإضافة إلى أنه يعتقد أن الوقت قد حان لقبول وجود إسرائيل فى إطار حل إقامة دولتين لتسوية القضية الفلسطينية.
وتنقل الصحيفة عن عبد المنعم محمود، صحفى ومدون، أن الرئيس مبارك الذى يفضل التعامل مع منظمة محافظة ومنغلقة على نفسها قدر الإمكان بدلا من حركة إصلاحية وديناميكية، "قد حصل تماما على ما يريد من خلال القمع". ويضيف "عندما يكون هناك حرية، تسود الأفكار الإصلاحية، وإذا كان هناك طغيان، فالمحافظون هم من يفوزون".
ويشاركه هذا الرأى جوشوا ستاتشر، خبير فى العلوم السياسية بجامعة كينت ستيت الأمريكية (بولاية أوهايو)، الذى يرى أن "الدولة المصرية هى التى أملت، على نحو ما، هذا النوع من حركة الإخوان الذى نراه اليوم.. وأن المحافظين فى الجماعة قد سنحت لهم بذلك الفرصة لنشر الفكرة القائلة بأن المشاركة فى الانتخابات فى مصر لا تأتى بشىء إلا باعتقالات إضافية".
وتذكر الصحيفة بأن جماعة الإخوان المسلمين التى نبذت رسميا أى لجوء إلى العنف منذ أكثر من ثلاثين عاما، والتى تتمتع ببعض النفوذ فى الأردن وفلسطين وأماكن أخرى فى العالم العربى، لم تحصل أبدا على حق تأسيس حزب سياسى فى مصر، كما أن العديد من أعضائها السابقين الذين استقالوا لإنشاء حركة مستقلة، لا يزالوا ينتظرون منذ خمسة عشر عاما للحصول على موافقة رسمية، لم تأت حتى الآن.
كما تستعرض الصحيفة النجاح "التاريخى"، الذى حققه الإخوان فى الانتخابات البرلمانية لعام 2005، من خلال الفوز بـ88 من أصل 455 عن طريق الترشح كمستقلين.. حيث "اكتفى الإخوان بهذا العدد حتى لا يثيرون السلطة"، بحسب ما ذكره مؤخرا محمد حبيب لصحيفة "لوموند". غير أن هذا الأمر ظل جهد ضائع، كما تذهب الصحيفة، لاسيما وأن حملة القمع قد واصلت عملها، بل إنها أصبحت مكثفة (224 من الإخوان مسجونون حاليا، من بينهم عدة عشرات من الكوادر الإقليمية)، فى الوقت الذى تعوق فيه السلطات بأقصى قوة ممكنة العمل الاجتماعى الذى تقوم به الحركة. إذ تم فى وقت سابق من هذا الشهر محو مستشفى تحت الإنشاء لخدمة الفقراء فى القاهرة، بدعوى إجراءات إدارية.
وتخلص الصحيفة إلى أنه مع افتراض اختفاء الضغوط الأمريكية الخاصة بتحقيق مزيد من الديمقراطية فى مصر منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، يشك الكثيرون فى أن جماعة الإخوان المسلمين سوف تشارك بحرية فى الانتخابات التشريعية فى 2010، أو الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك مع خطر تأثر بعض الشباب المتحمس الذى سئم من لعبة يُزعم أنها "ديمقراطية"، بالأفكار الراديكالية.
بعد سيطرة المحافظين على مكتب الإرشاد..
لوموند: عصام العريان يحتاج معجزة ليصبح مرشدا
الجمعة، 25 ديسمبر 2009 07:11 م