لبعض الكتاب مذاق ورائحة خاصة يسكنك جمالها دون مقدمات، وفى صدارة هؤلاء الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة، الذى يتصدر صحافتنا المصرية بوصفه عميد كتاب الرأى فيها، ولم يكتسب أستاذنا الكبير هذه الصفة بقرار رسمى، أو بإلحاح من مؤسسات معنية، وإنما لأنه يملك القدرة بمفاجأة قرائه كل صباح بزاوية جديدة فيما يكتبه، زاوية لا يذهب فيها إلى ممالئة سلطان، أو نفاق صاحب قرار.
عرف القراء سلامة أحمد سلامة من الباب الواسع لأمانة الكلمة، والعمل بمبدأ أن الصدق هو أقرب الطرق للوصول إلى قلب القارئ، وقدرة فذة فى تلخيص الفكرة التى يكتبها آخرون فى صفحات طويلة، ليعرضها فى سطور قليلة فيستقبلها القارئ «كبرشامة» شفاء من مرض عضال ألم به. جاء سلامة فى موعده تماماً ككاتب رأى مستقل من خلال عموده اليومى «من قريب» فى صحيفة الأهرام، فى وقت فقدت الأهرام صحافة الرأى عموداً كبيراً آخر هو الأستاذ أحمد بهاء الدين، ومن خلال تلك الاستقلالية قرأنا له سباحة عميقة مع الأفكار، واشتباكات أعمق مع قضايا سياسية كانت تسبح ضد التيار العام الرسمى، ومن هذا المنطلق احتار الكل فى تصنيفه السياسى، هل هو ليبرالى؟، هل هو يسارى؟
هذا الشىء ونقيضه الذى حير القارئ إلى أى معسكر ينتمى سلامة أحمد سلامة، تظل هى أجمل ما يميز كاتبنا الكبير، لأنه اختار الاستقلالية عن الأيدلوجيات التى تنطلق منها كل تلك التناقضات، وانحاز إلى مايأتى منها للمصلحة الوطنية العامة، فهو مع النضال الفلسطينى لاستعادة الأرض، ومع الوسائل التى تضمن العدالة الاجتماعية، ومع التقارب العربى لأنه محيطنا الذى لا يمكن الاستغناء عنه أو التعالى عليه، ومع مصر التى يجب عليها أن تلعب دورا رياديا فى منطقتها، ومع علاقات دولية تقوم على حفظ الكرامة وعدم التبعية، ومع ديمقراطية سليمة تحقق تداول سلمى للسلطة عبر انتخابات حرة نزيهة، ومع التدابير الصحيحة للتظاهر السلمى لاستعادة أى فئة اجتماعية لحقوقها المنهوبة، ومع كرامة المواطن أيا كان تصنيفه الاجتماعى فقيرا، قبل الغنى، ومع ضبط شامل يحافظ على ثروتنا وعدم تركها لقلة تنهبها باسم الخصخصة وأى وسائل أخرى غير مشروعة، ومع الإبداع الذى يرتقى بالذوق العام، والفكرة التى ترتقى بالوطن.
لو فتشنا فى كل ما كتبه سلامة أحمد سلامة فسنجد أن مجمل القضايا السابقة كانت همه أولاً وأخيراً، وكون رصيده لدى القراء من تناولها، بالدرجة التى يتيقن منها القراء أن كاتبهم هو واحد منهم ، لا يجلس فى برج عاجى وإنما يتوحد مع آلامهم وآمالهم، ولأنه يعمل بشعار «الصدق أقصر الطرق للوصول إلى قلب القارئ»، عرف أيضا أن هذا الشعار لا يحتاج إلى «فذلكة» الكتابة، بقدر ما يحتاج إلى بساطتها فى اختيار الفكرة واللغة المعبرة عنها.
سلامة أحمد سلامة.. جائزة الصدق.. قبل جائزة الفكر
الجمعة، 25 ديسمبر 2009 02:17 ص
سلامة أحمد سلامة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة