◄◄صادر المجمع كتابى لأن قارئاً فى «دسوق» لم يعجبه فذهب إلى قسم البوليس وقدمه له وحوله البوليس إلى الأزهر الذى حوله إلى أحد العلماء الذى قرأ فصلاً واحدًا منه وخرج بأنه يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة!
◄◄لا أحد يعرف على أى أساس يرفض الكتاب أو يقبل وما المعايير؟.. ولو أن الكتب التى أجيزت وقعت فى يد من حكموا بالرفض لكان مصيرها الرفض.. فليس هناك معيار موضوعى محدد
إذا ذكر «مجمع البحوث الإسلامية» تمثل أمام القارئ عدد من كبار العلماء والفقهاء، يجتمعون ليدرسوا مشكلات الإيمان والاعتقاد التى أثارتها «العولمة» و«الحداثة»، وذلك التيار الأوروبى الكاسح الذى يضيق بالأديان ويجعله علاقة خاصة جدًا بين الإنسان والله تعالى، مما لا يكون له دور فى المجتمع، ولا تذكر على الملأ أو يحسمون بعض الخلافات المذهبية التى تقسم وحدة المسلمين وتجعلهم شيعًا، ويتصورهم وقد تملكهم الحماس للدفاع عن الإسلام بالحجة والبرهان، وبالفكر والعقل والتدبر.
ولكن الواقع يختلف عن هذا، ويصدم الإنسان عندما يجد أن ما يُذكر للمجتمع هو أنه جعل نفسه وصيًا على الفكر الإسلامى، فإذا صدرت رواية أو أنشدت قصيدة أو كتب كتاب عن الأديان، يرى فيه المجمع ما يمس الإسلام حتى يصدر قرارًا يمنع انتشاره ومصادرته.
وتقريرًا للحقيقة نقول إن مجمع البحوث لا يصدر قرارًا بمصادرة كتاب لأنه «يخالف العقيدة» إلا عندما يصل إليه بطريقة ما هذا الكتاب، فإذا لم يصل إليه، فإنه بالطبع لا يستطيع أن يتابع كل ما تصدره المطابع، وفى الوقت نفسه فإن «ولاد الحلال» الذين جعلوا أنفسهم أوصياء على الفكر الإسلامى لا يكادون يعلمون بكتاب جديد، أو رواية.. جاء فيها ما لا يؤمنون به حتى يقيموا الأرض ويقعدوها.. ويستنجدوا بمجمع البحوث بحيث لا يجد المجمع مناصًا إلا بدراسة الموقف.
وقد كان أول كتاب من كتبنا أصدر المجمع قراره بمنعه من التداول، لأنه يخالف العقيدة الصحيحة هو كتاب «مسئولية فشل الدولة الإسلامية فى العصر الحديث.. وبحوث أخرى» الذى وصل إلى المجمع، لأن قارئاً فى دسوق لم يعجبه ما جاء فى الكتاب، فذهب إلى قسم البوليس وقدمه له، وحوله قسم البوليس إلى الأزهر الذى حوله إلى أحد العلماء الذى قرأ فصلاً واحدًا منه وخرج بأنه يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة.
ولكن أعجب من ذلك أن المجمع لا يراقب ما يطبع فى مصر من الكتب فحسب.. ولكنه أيضًا هو الذى يصرح بتصديرها إلى الخارج، فهل يعمل المجمع ليحمى القارئ فى الخارج من السموم التى تدسها كتب مصر؟.
لقد كان عن هذا الطريق أن نشبت بيننا والمجمع معركة تحولت إلى قضية تنظرها المحاكم، فمنذ أربع سنوات طلبت منا إحدى المكتبات الكويتية نسخة من كل كتاب من كتبنا، فأرسلنا إليها عن طريق إحدى شركات الشحن، ولكن مندوب الشركة عندما ذهب للأزهر ليطلب تصريحًا بالشحن، احتفظوا بالكتب حتى يمكن مراجعتها!.
وظلت الكتب لدى المجمع طويلاً حتى اضطررنا إلى رفع قضية، وظهر أن المجمع وزع الكتب على عدد من أعضائه، وإنه نظر فى سبعة كتب، ورأى أنها تفسد العقيدة، كما قرر أن أربعة عشر كتابا ليس فيها شىء وأن الباقى لا يزال يراجع، كأن على المكتبة الكويتية أن تنتظر خمس سنوات حتى يفرغ المجمع الموقر من قراءة الكتب الباقية! هذا وإن فرغ. ولا شك أن السؤال الذى يخطر لكل واحد هو على أى أساس يرفض الكتاب أو يقبل؟ ما هى المعايير؟ ما هى المؤاخذات التى على أساسها يتم الحكم؟ والرد أن هذا خاضع للمستوى الفقهى للمراجع ونفسيته العامة، وهل هو من أنصار التشدد أو من الذين يؤمنون بقدر من الانفتاح، وهذا هو ما خرجت به من مقارنة رفض سبعة كتب وقبول تسعة كتب، ولو أن الكتب التى أجيزت وقعت فى يد الذين حكموا بالرفض، لكان مصيرها الرفض، فليس هناك معيار موضوعى محدد.
وكمثال للتعرف على مبررات الرفض نذكر مبررات رفض كتاب «العودة إلى القرآن» فقد جاء أنه يعيب على مشايخ الأزهر اتباعهم السلف الصالح - رضوان الله عليهم - وأنه يقول إن بعض المفسـرين نسخ مائة وعشرين آية من آيات القرآن التى تأمر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإنه يدعو إلى الاختلاط بين الرجال والنساء ويحرف الكلم عن مواضعه، فيقول كل واحد يقرأ القرآن لابد أن يلحظ أن مجمع الآيات القرآنية لا يعرف الفصل بين الجنسين أو عدم الاختلاط، ففيه يتعايش الذكر والأنثى، وأنه ينكر النسخ فى القرآن، وأنه ينكر على المحدثين قولهم إن الصحابة كلهم عدول، وأنه ينكر حد الردة، وبناء عليه، وبعد الفحص والدراسة المتأنية لكتاب العودة إلى القرآن، تبين لنا أن هذا الكتاب قد اشتمل على كثير من الأخطاء والمغالطات والمخالفات الشرعية، وأن مؤلفه أتى بآراء غريبة تخالف الشريعة الإسلامية الغراء، وعلى هذا نرى عدم التصريح لهذا الكتاب بالتداول حفاظاً على العقيدة الإسلامية الصحيحة، وضرورة التصدى لمثل هذه الآراء الفاسدة حتى لا يستشرى خطرها فى المجتمع.
وأغرب شىء أنهم رفضوا كتاب «إخوانى الأقباط» مع أنه ليس فيه شىء يتعلق بالإسلام، وكل ما فيه هو عن الأقباط وعلاقة الكنيسة بالدولة، وهو فى ثلثمائة صفحة من القطع الكبير، وبعد أن استعرض المراجع فصول الكتاب قال: إن ما عرف عن المؤلف فى كل كتاباته إنه ضد كثير من الثوابت الإسلامية، كقضية الحجاب وغيرها، وما بدا فى اقتراحاته فى هذا الكتاب من إنكار حد الردة وهدم السلطة الدينية والمؤسسات الإسلامية الرسمية، وأن مفسرى القرآن الكريم لم يفهموه الفهم الصحيح المتجاوب مع متطلبات العصر الراهن، لذا نرفض التصريح بنشر هذا الكتاب، كما رفض غيره فيما سبق بالرغم من هذا الكتاب يشتمل على بعض الحقائق الهامة عن أسباب الفتنة الطائفية، وفضح من ينفخ فيها وتعرية مطالب الأقباط غير المنطقية، ولا يسعنا إلا أن ندعو الله بالهداية لنا ولجميع المسلمين!.
وعن كتاب «تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين» عرض المراجع عرضًا سريعًا ناقدًا له، ثم قال: فهذا الكتاب فيه الحق بالباطل وأنكر فيه مؤلفه أمورًا اتفق العلماء عليها، وطعن فى بعض كبار الصحابة، وفيما نسب إليهم من تفسير كابن عباس، وهدفه من ذلك أن يجعل الأمة تنفصل عن تراثها، فلا تلقى بالاً لما تركه السلف الصالح وعلماء الأمة وأئمتها من علوم ومعارف، على أساسها بنى المسلمون حضارتهم العظيمة، ولهذا أوصى بمنع نشر هذا الكتاب وتداوله لما فيه مما يخالف العقيدة الصحيحة والشريعة.
ومن أمثلة الاعتراض بين مُراجع كتاب «المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء» قول المؤلف أن القرآن لم يحرم على المرأة إلا إبداء الثديين، مع أن الإشارة إلى الثديين جاءت فى الحديث عن الآية «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»، إن المرأة الجاهلة كانت تترك فتحة الصدر عارية ربما لتسهيل رضاعة أطفالها من ثدييها، فأمرت الآية بتغطيتها، ويسلم المراجع لنفسه القياد، فيقول وإذا كان الكاتب فى هذا الكتاب وفى كتب أخرى.. يرفض تراثنا الفقهى من ابن عباس حتى الآن بدعوى أنه ابن عصره، فإن هذا الشذوذ الفكرى الذى يرى أن القرآن لم يمنع صراحة إلا كشف الثديين، هو لون من ثقافة الدياثة والعهر والانحلال الوافدة إلى بلادنا من خارج الحدود.. حدود الفطرة والعفة التى تعارف عليها الناس الأسوياء من كل الشرائع، لذلك كان تداول هذا الكتاب شديد الضرر لما فيه من فتح الأبواب لثقافة الدياثة والعهر والانحلال، والأخطر أنه يفتح هذه الأبواب باسم الإسلام والقرآن.
وجاء فى اعتراض المراجع على كتاب «الإسلام كما تقدمه دعوة الإحياء» أن ما جاء فى الكتاب من أن المسلم الذى يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ويقصر فى كل الشعائر، فإنه لا يخرج عن العقيدة الإسلامية وتضمه مظلة الإسلام، فقال المراجع إن من ترك هذه الفرائض الأربع التى تؤسس أركان الإسلام لا يكون مسلمًا، بل قال بعض الأئمة بكفره (فأنظر إلى الفرق ما بين «التقصير» الذى جاء فى الكتاب و«الترك» الذى بنى عليه قوله إنه لا يكون مسلمًا، وقال البعض بكفره)، وجاء فى خلال حديث المراجع، ومما يؤسف له شدة الأسف ما ذكره الإمام محمد عبده أن من أصول الإسلام تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض، وإنه عند تعارض العقل والنقل أخذ ما يدل عليه العقل، فالمراجع هنا «يأسف» لأن الإمام محمد عبده ذهب هذا المذهب، ولو إنه كلف بمراجعة كتاب من كتب محمد عبده لأمر بعدم نشره «لمخالفته العقيدة».
هذه أمثلة للمبررات التى أجاز المجمع وشيوخه تحريم تداول هذه الكتب، ومن الواضح أن الفكرة المسبقة لدى هؤلاء السادة هى وراء رفض ما يكتب، حتى ولو كان فيه بيانات وإضافات جديدة، ولكنه لا يتفق مع الفكر السلفى الذى يقوم على التقليد ويرفض الاجتهاد.
ويلحظ هنا أن حكم المراجع اعتبر حكمًا نهائيًا لا اعتراض عليه، ولا استئناف له بالمخالفة لما يجب أن يكون عليه الأمر، مع كل الأحكام التى تصدرها محاكم أن يجوز استئنافها، بل ويمكن نقضها أمام محكمة النقض.
ومن حسن الحظ أن الأحكام التى يصدرها المراجعون ليس لها أثر عملى، فالكتب التى أرادوا منع تداولها تتداول وتوجد فى المكتبات، وأن وصايته على الفكر تنحصر فى إصدار مثل هذه الأحكام، أما تنفيذها فهو شىء آخر.
ويبدو أن المجمع قنع بهذا، لأنه لو حاول تنفيذها لثارت عليه ثائرة المفكرين ولاعتبر ذلك انتهاكاً لنص دستورى، بل أنا أذهب إلى أبعد من هذا فأقول إنه يُفضل أن يسلك مؤامرة صمت، فلا يتعرض لكتاب ما كما فعل مع كتاب «تجريد البخارى ومسلم من الأحاديث التى لا تلزم» الذى ذهبنا فيه إلى وجود أكثر من ستمائة حديث تعد مما لا يلزم، لمخالفتها أحد المعايير القرآنية، وتم نشرها بالمقالات العديدة فى جريدة «المصرى اليوم» وغيرها مما يدل على علم المجتمع به، فإذا كان الدافع له على ممارسة هذه الوصاية هو الغيرة على العقيدة الإسلامية.. إلخ، لكان يجب أن يتعرض لهذا الكتاب الذى يجرد البخارى من الصفة التى يضفونها عليه «أصدق كتاب بعد كتاب الله تعالى«.