تعلق المصريين بـ«معجزة» العذراء يحتاج إلى معجزة لفهمه

الجمعة، 25 ديسمبر 2009 02:16 ص
تعلق المصريين بـ«معجزة» العذراء يحتاج إلى معجزة لفهمه
ناهد نصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تابع معى هذا المشهد المبهر الذى ينتهى نطاقه فى دوائر كثيفة من البشر حول كنيسة العذراء بالوراق، والجميع يسعى لوجهة واحدة، وهدف واحد «رؤية العدرا»، وهو المشهد الذى يتكرر على مدى ما يقرب من أسبوعين بداية من التاسعة مساء وحتى بزوغ الخيوط الأولى من النهار.

ثم حاول بعدها أن تجيب على السبب فى شوق المصريين الجارف لمعجزة تهبط عليهم من السماء. هل هو الإيمان الشديد، أم أنه اليأس، هل هو الفقر والجهل، أم أنه الكبت وانسداد جميع القنوات المؤدية للأمل؟ هل هو الفضول، أم أنه الرغبة فى القبض على لحظة نادرة لتجلى معجزة ما؟ حيث تحول تحقيق أبسط الحاجات إلى معجزة. فالمعجزة الحقيقية فى المشهد هى محاولة الإجابة على هذا السؤال.

قساوسة الكنيسة الأرثوذكسية يجيبون على السؤال بعبارة واحدة «العذراء تمنح الناس البركة» لكن من المؤكد أن ما تعنيه البركة لكل لهؤلاء ليست أمراً واحداً، فبركة السيدة التى ترتدى جلباباً غامقا وتجاهد فى تدفئة رضيع تحمله، وآخر معلق فى يدها بشال واحد يشترك فيه ثلاثتهم بينما عيناها معلقة بالسماء، تختلف بالتأكيد عن البركة التى يسعى لها ذلك الرجل فى بذلته الرسمية الذى يقف إلى جوار سيدة أنيقة، وطفلين بملابس ثقيلة ينتظر. وكيف يقرأ رجال الدين تجليات العذراء فى أذهان المسلمين والمسيحيين، بينما يشكون من أن ابتعاد الناس عن جوهر الأديان هو مصدر الفساد على الأرض.

ورجال السياسة يتحدثون عن خرافة يتعلق بها الناس بعد أن قتل الفساد والاستبداد وانسداد الأفق كل إرادة لهم فى التغيير، والتعبير، والحرية والكرامة، لكن بماذا يفسر هؤلاء سلبية المصريين ومنهم المتحلقون فى انتظار العذراء حين يدعوهم الداعى إلى المشاركة فى الأحزاب السياسية، والمؤسسات المدنية، ولماذا مثلاً يعزفون عن المشاركة فى الانتخابات ثم الدفاع عن أصواتهم؟ ولماذا يعجزون عن فرض حقهم فى الاختيار، ثم أنهم يتقاطرون بالآلاف ويبذلون طاقاتهم بالساعات الطوال أمام قبة الكنيسة فى انتظار الظهور؟

ألا يدور فى مخيلتك الآن أن الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى مشهد انتظار العذراء، هو حدوثه، بينما كل المحاولات فى تفسيره والحكم عليه لا ترقى إلى مستواه، وبالتالى التفاعل معه بشكل مجرد بعيداً عن الاعتراف بصحة الظهور من عدمه. والمعنى أن جميع المثقفين، والسياسيين، ورجال الدين بمختلف توجهاتهم، وميولهم بحاجة ماسة إلى إعادة قراءة الشارع المصرى بشكل علمى وموضوعى وبلا مصادرة، كخطوة أولى نحو إشعار هذا الشارع بوجودهم، وإلى أن تتحقق هذه المعجزة سيواصل الناس انتظار أن تهبط عليهم من السماء.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة