فى عام 1997 وبعد فترة قليلة من توقيع اتفاق مصالحة بين الحكومة السودانية وخمس حركات متمردة، ذهبت للقاء رياك مشار أحد الموقعين على اتفاق السلام فى قصر الضيافة بالخرطوم، فوجدته يجلس بين مئات من أنصاره المدججين بكافة أنواع السلاح، فى إشارة ليست خافية على أنه لا يشعر بالأمان مع من اتفق معهم.. وبعد سنوات قليلة نقض اتفاقه وعاد للحرب مرة أخرى.
وفى شوارع الخرطوم يعيش ويعمل أبناء الجنوب بكامل الحرية، وحيث لا يمكن إجراء استطلاع رأى فى السودان فى ذلك الوقت خاصة من صحفى مصرى مع علاقات سياسية متوترة كنت أسأل كل من ألقاه من أبناء الجنوب: هل تؤيد الانفصال عن الشمال؟
الإجابة جاءت أكثر عفوية: نعم نؤيد الانفصال وإقامة دولة مستقلة.
تذكرت مقولة الشاعر العربى القديم الفرزدق للحسين بن على رضى الله عنه وأرضاه حين التقاه وهو فى طريقه إلى الكوفة بعد أن بايع أهلها الحسين بالخلافة.. وسأل الحسين الفرزدق: كيف رأيت أهل العراق؟.. فرد الفرزدق بإحدى حكم التاريخ العربى: قلوبهم معك.. وسيوفهم عليك!
هكذا بدا أهل الجنوب فى عام 1997 يهتفون بالوحدة.. لكن فى داخلهم يتمنون الانفصال.. وبعد أحد عشر عاما على هذه الزيارة يعيش السودان حالة من الجدل على خلفية إقرار قانون أقر إجراء استفتاء عام 2011 بين أهل الجنوب ليختاروا إما البقاء داخل الدولة السودانية أو الانفصال وتأسيس دولة جديدة.. وقد رفض النواب الجنوبيون فى البرلمان السودانى مشروع القانون وانسحبوا خلال جلسة التصويت معترضين على مادة فى قانون الاستفتاء تنص على مشاركة الجنوبيين فى شمال السودان فى الاستفتاء.. مبررين الانسحاب بأن الاستفتاء يجب أن يجرى فى الجنوب فقط.
وحسب آخر الأنباء فقد يعود البرلمان السودانى يوم الاثنين القادم لمراجعة هذه المادة وإلغائها، منعا لمزيد من الخلافات السياسية، خاصة أن السودان مقبل على انتخابات برلمانية ورئاسية العام القادم تحتشد فيها المعارضة فى مواجهة حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، وقد ترشح مرشحا من الجنوب لمنافسة الرئيس عمر البشير على رئاسة الدولة.
وسواء فاز الحزب الحاكم بالانتخابات المقبلة أم لا، فإن السودان فى طريقه إلى التقسيم، وظهور دولة جديدة فى جنوبه، لكن ذلك ليس المشكلة الوحيدة، لأن باقى السودان لم يستقر بعد، وقد يشجع الانفصال أهل دارفور على المطالبة باستفتاء مماثل، بينما سكان الشرق أيضا، يريدون الكثير من الصلاحيات والامتيازات، ويخطئ أى مصرى لا ينظر باهتمام لما يحدث فى السودان.. فتفتيت هذا البلد يشكل خطورة بالغة على الأمن القومى المصرى.. لكننا على ما يبدو لا ننظر أبعد من تحت أقدامنا!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة