كلّنا يعرف فى محيطه أو عمله أو مدينته نماذج مشرّفة للكفاح الشّريف للإنسان المصرى الجميل الّذى تقريبا انقرض من المواد الإعلاميّة، وحلّ محلّه فقط النّماذج السّيئة مثلما تصوّر كل المواد الإعلاميّة على تنوعّها.
بينما الواقع يخالف ذلك، وعن نفسى أعرف شخصا يعمل منادى سياّرات أى الشخص الّذى يرتّب دخول وخروج وركن السيّارات فى الشّارع، وهو بالطّبع غير متعلّم لكنّه أصرّ أن يصبح أولاده متعلّمين واستطاع أن يكون أبناؤه مدرّسا ومحاميا ودارسا فى كليّة أخرى محترمة وشخصا آخر يعمل فى بوفيه فى مكان ما فى مصلحة حكوميّة هو وزوجته، ولا يقبل أن يزيد ملّيما واحدا على أسعار ما يبيعه من أطعمة ولديه أبناء فى كليّات محترمة وبنات حاصلات على الدّبلومات ومتزوّجات وهو سعيد وراض جدّا.
أعرف أيضا عمّال يعملون فى مستشفيات حكوميّة لأجل الحصول على وظيفة ميرى تتيح لهم أجرا ثابتا ومعاشا لأبنائهم، بينما بعد الظّهر يعملون فى مستوصفات ومستشفيات خاصّة ويدرسون للحصول على دبلومات أو فى كلّيات وبعضهم نجح فعلا وقامت الحكومة بتحويلهم إلى الوظائف المناسبة لمؤهلاتهم تشجيعا لهم ولزملائهم كما أعرف ممرّضات يعملن ثم يدرسن أيضا بالانتساب فى كليّات محترمة وبعضهن فعلا نجحن فى ذلك وتمّ أيضا نقلهن إلى وظائف إداريّة حسب المؤهّل، كما أعرف بواب عمارة استطاع أن يعلّم إحدى بناته المتفوّقات حتى صارت خرّيجة لكليّة محترمة وعاملا يقتطع من قوته ليعلّم ابنه الوحيد ليعوّض حرمانه هو من التّعليم، وزميله استطاع تعليم ابنه وحصوله على دبلوم فنى وساعده للسفر إلى دولة عربيّة للعمل.
نعم الأمور ليست ورديّة فى مصر لكنها ليست بقتامة ما يروّجه البعض، وكثيرون من العلماء والأدباء الأفاضل فى التاريخ عانوا فى صغرهم لكنّهم كافحوا بينما لم نر شخصا مدلّلا صار مثلا نجيب محفوظ أو طه حسين أو غيرهم فلماذا نحقّر من الفقر والكفاح؟ ولماذا نهين الفقراء فى السينما والإعلام؟!
إنّ فى مصر غالبيّة من الشّرفاء والمكافحين الّذين يرفضون ملايين بغير شرف ويسعدون بالقليل الّذى فيه شرف وبركة ورضاء من اللّه، فلماذا نحبطهم ونظهر أنّ الإنسان بما يملكه من مال حتّى لو جمعه بطريق غير شريف وأنّ الفقير لا يساوى شيئا؟ أعرف أشخاصا فقراء لكن لديهم عزّة نفس تجعلهم لا يمدّون أيديهم لأحد، فلماذا نظهر أنّ كلّ فقير هو شحّاذ ومتسوّل ونتجاهل أنّ له كرامة وعزّة نفس؟
لو أنّ صانعى الأفلام والمسلسلات لا يقابلون فى حياتهم إلاّ نساء منحرفات أو رجال أعمال فاسدين فهذه مشكلتهم، بينما نعرف رجال أعمال بدأوا بشرف من الصّفر فكافأتهم الحياة بالنّجاح الشريف أيضا والأهمّ أنّ المصريين مشكلتهم أنّهم يريدون المال والبنون معا وبكثرة يريدون المال بوفرة والبنون بوفرة رغم أنّ الطبقة المتوسّطة فى مصر والّتى كانت يوما تعتبر فوق متوسّطة لولا مجّانيّة التّعليم والسّفر إلى دول الخليج وتنظيم الأسرة إلى اثنين أو أربعة على الأكثر لما استطاعوا أن يعلّموا أبناءهم أو يتعلّموا هم أصلا ولما استطاعوا توفير الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة.
صراحة فرحت جدّا عندما علمت أنّ الدّولة توفّر معاشات محترمة جدّا حتّى للعمّال علما بأنّ كل شخص فى مصر يعمل وظيفتين على الأقلّ، فمنهم من يعمل على تاكسى أو ميكروباص بعد الظّهر، أو من يعطى دروسا خصوصيّة أو يفتح عيادة بعد الظهر أيضا، لذلك فالمرتب الحكومى ليس مقياسا لدخل أى فرد أو أسرة ومن هو على المعاش ستجد أنّ له محلا خاصا يديره هو أو أبناؤه، ونكرّر أن الأسر الّتى فيها عشرة أطفال أو أبناء هى الّتى تعانى وهذا ما حذّرت منه الدّولة وكررّته ولم يعمل به الأفراد، ثم اليوم يبكون ويشتكون الحكومة رغم أنّه فى الصّين مثلا صدر قرارا أنّ لكل أسرة طفل واحد فقط، لكن المصرييّن كما قلنا يريدون وفرة المال مع وفرة البنين والحياة لا تعطى كلّ شىء!
د.نيفين شكرى تكتب.. نماذج مشرّفة لن يعرضها الإعلام!
الأربعاء، 23 ديسمبر 2009 04:13 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة