يسرى فودة

حديث البرادعى

الأربعاء، 23 ديسمبر 2009 07:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جملة قصيرة فى حوار طويل تعبر لك عن رؤية سهلة لمشكلة صعبة فى المشهد السياسى المصرى: «الدستور المصرى به 15 خطأ مطبعياً، مثل النسخة الإلكترونية الموجودة على موقع الهيئة العامة للاستعلامات، وإذا كنا لا نستطيع أن نطبع أو ندقق القوانين فهذا أكبر دليل على ما وصل إليه حالنا».

هكذا يقع الدكتور محمد البرادعى فى حديثه إلى الأستاذ جميل مطر فى الزميلة «الشروق» على مربط الفرس بعين الخبير القانونى، وهو ما يمنحه الحق بعد هذا كى يخلص إلى أنه «إذا كان هذا حال دستورنا فما الذى وصلت إليه الخدمات الأخرى، من علاج شخص فقير فى الريف، إلى تعليم طفل فى قرية؟».

سيضطر أستاذنا الدكتور على الدين هلال، مع مساعديه فى أمانة الإعلام فى الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم، إلى بذل مجهود أكبر من هذا بكثير لمقارعة الرسالة الإعلامية لرجل لا يزال البعض يعتقد أنه أستاذ فى الكيمياء أو الفيزياء أو شىء من هذا القبيل، ولا يعلمون أنه أستاذ فى القانون، تعلمه وعلّمه ومارسه واقعياً على ساحة دولية، وأنه أستاذ فى ربط التفاصيل وفى قراءة التوازنات وفى تعقب المراوغات، وهو أيضاً أستاذ فى التعبير عن هذا كله، حين يضطر إلى التعبير، بأسلوب دبلوماسى متحضر مهذب يتأكد من وصول الرسالة، مثلما يتأكد فى الوقت نفسه من تحييد معارضيها إن لم يستطع أن يفوز بهم إلى جانبه.

من الواضح أن استراتيجية »هدم« البرادعى لم تفشل وحسب، بل ارتدت كى تقتطع أمتاراً أخرى من مصداقية الذين وجدوا فيها طريقاً معتاداً قصيراً كسولاً (ولا يخلو من بعض الغرور فى الوقت نفسه) للتعامل مع المستجدات، وذلك لسببين، أولاً لأن أصحابها لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء التأكد من مدى صحة معلومات أساسية فى غاية البساطة والحسم فى آنٍ معاً فاستخدموها كأرضية بنوا عليها حجتهم. ولأن الحجة تسقط بالضرورة بسقوط الأرضية فقد صارت المهمة أمامهم أصعب فى الجولة القادمة من الهجوم المضاد، وهو ما منح الدكتور البرادعى ميزة اختيار لحظة تطوير الهجوم بالصورة التى يراها ملائمة.

وثانياً لم يدرك بعضنا بعد (ربما لأنهم لا يريدون أن يدركوا) أن الرسالة التى تصدى لها بعض الليبراليين المستقلين من أن المسألة لا تتعلق بشخص الدكتور البرادعى، بقدر ما تتعلق بما يتحدث عنه، قد وجدت طريقها إلى المقهى العام. ومن ثم تسقط الحجة الأخرى التى تتهكم على أساس الحق الذى يراد به باطل من فكرة البطل الأوحد المخلّص الذى يمتطى جواداً أبيض ويلوح فى الأفق من بعيد، أو باختصار فكرة «البرادعى المنتظَر». وبسقوطها ينفتح المجال أمام الفكرة التى ينبغى أن تنفتح أمامها أبوابنا جميعاً: فقط ما يتحدث عنه وما إذا كنا جادين فى فتح نقاش وطنى مستنير حوله.

يقول الدكتور على الدين هلال، الذى تعلمنا منه فى الجامعة، أسس النظم الدستورية، إن الدكتور محمد البرادعى وضع نفسه فى مأزق. وما نراه مع بداية الجولة الثانية من المواجهة يوحى بأن ملامح من المأزق قد انتقلت إلى معسكره هو. وما يزيد الأمر تعقيداً أنك تفتش وتفتش وتفتش فى كلام الدكتور البرادعى فلا تجد فيه كثيراً مما يمكن تحويره إلى خط رجعة يمكن من خلاله أن يستمر الرجل فى أحلامه دون أن يقترب فى النهاية من ذلك الخط الأحمر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة