لا أشكك للحظة أن من قام بمبادرة منع بناء المآذن فى سويسراـ وهو حزب اليمين ـ ينوى حربا على الإسلام وتشويه صورته وتقويض انتشاره، ولا أشك فى كذبه حين يقول إنه لم يفعل ما فعل إلا بدافع الديمقراطية والحرية.
هو أجاد استغلال الديمقراطية المتاحة فى بلده وجمع مائة ألف توقيعا على طرح الموضوع للتصويت العام الشعبى لتحقيق غرضه، وبما أن الدستور السويسرى ليس له مناص إلا تأكيد نتيجة التصويت، فقد نجح فى تمرير القرار وبالتالى قد يضاف بند إلى الدستور يكون نصه (ممنوع بناء المآذن فى سويسرا). المآذن دون غيرها من قباب ومنارات الكنائس والمعابد.
وهو لا شك انحياز ضد الإسلام لا غير وليس دعوة للحرية.
بل ودفع المؤيدون لذلك القرار الشعب دفعا إلى التصويت معه، فقد قاموا بتعليق لافتات تسىء إلى الإسلام فى الشوارع وتدعى أنه دين يحض على الإرهاب فضلا عن تصميم يرسم امرأة متلفعة بنقاب أسود خلفها مجموعة من الصواريخ على شكل مآذن ترتكز على علم سويسرا لإضفاء جو من الرهبة والإرهاب والكآبة.
أما نتيجة التصويت فقد جاءت مفاجأة بكل المقاييس لكل المتابعين بما فيهم القيادة السياسية السويسرية ذاتها، وهم الذين راهنوا على الرفض الشعبى للمبادرة. ولا ننكر هنا أن الموضوع لم يتم طرحه بحيادية ليتركوا للشعب حرية الاختيار الحقيقى، ولكنهم لعبوا لعبتهم القذرة من تشويه الصورة عن عمد. وأعتقد أن هذا ليس هو رأى الشعب السويسرى وحده، ولكن لو تم عرض هذا الاستفتاء على غالبية شعوب أوروبا ستكون النتائج متشابهة نتيجة للحملات المتتابعة التى تستهدف الإسلام.
فى رأيى أن رد فعل الشعوب الإسلامية حتى الآن لم يكن على المستوى المطلوب. فهناك تلويح سعودى بالمقاطعة، ودعوة ليبية للمقاطعة أيضا، ودعوات متناثرة للمقاطعة فى كل مكان، وهو غالبا سيكون رد الفعل الوحيد.
ولكن .. من وجهة نظرى أن المقاطعة فى هذه الحالة هى عين الخطأ، لأن الجرم المرتكب من جانب الحكومة فى حق المسلمين أيده وباركه تأييد شعبى بغالبية 57% من المصوتين، فالمعضلة هنا ليست الحكومة ـ لا سيما أن الموقف الرسمى فى سويسرا ضد القرارـ ولكنها تأييد قطاع كبير من الشعب الذى يعبر ولا شك عن فهم خاطئ للإسلام، خططت له الحكومات الأوروبية والسياسة الأمريكية وساهمت فيه بنصيب لا بأس به الشعوب الإسلامية ذاتها.
ولذلك أعتقد أن الوتر الذى ينبغى لنا أن نلعب عليه هو وتر الشعوب وليس مقاطعة الحكومات والشركات، لأن ذلك لن يسهم فى اقتناع الشعوب إن لم يسهم فى زيادة سوء الفهم لديهم.
فالمقاطعة هى تدبير اقتصادى للضغط على الحكومة للعدول عن القرار الذى كما لا يخفى عليكم مؤيد من الشعب.
أعتقد أن الواجب علينا هو استغلال الموقف لصالحنا، ومساعدة المراكز الإسلامية السويسرية وليس وضع مزيد من الأحمال على كتفيها، وهذه المساعدة تتمثل فى محاولة الوصول إلى الشعوب وتحسين صورة الإسلام لديهم بالفعل أولا ثم القول.
ولا ننسى هنا أن مقاطعتنا للدانمارك لم تفلح مثلما فلحت محاولات شرح الدين الإسلامى للشعب وأسفرت عن اعتناق المزيد من الأوروبيين للإسلام.
إسلام محمد السطوحى يكتب.. سويسرا بين المقاطعة والمقاطعة
الأربعاء، 23 ديسمبر 2009 03:21 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة