مر الكثير منذ انطلاق خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما من تحت قبة جامعة القاهرة والتى زعم الكثير من الناس فى وقتها أن الحياة ستتغير، وأن الموقف الأمريكى وسياسته الخارجية ستصبح فى صالح الجانب العربى، وأنه سيكون هناك الموقف الأمريكى قبل الخطاب، والموقف الأمريكى بعد الخطاب مثل أحداث سبتمبر.
فقد كان كلامه معسولاً وخطابه بارعا فضلا عن كارزمته المشهود له بها وأخذت الناس تهتف له دون التحقق من مدى مقدرته على تنفيذ ما أشار إليه ضمنيا بين السطور، فلم يكن فى الخطاب أى ارتباطات بجدول زمنى أو قرارات صريحة فى مشاكل الشرق الأوسط، وما زاد من توهمنا هو حصوله أيضا على جائزة نوبل للسلام مع العلم أننا لو كنا دققنا فيها سنجد أنها تمنح للنوايا الحسنه أى تمنح فقط لمجرد النوايا.
إن المهتمين بالشئون الداخلية لأمريكا كانوا يعلمون جيداً أن ما قاله أوباما لا يستند على شرعية حقيقية وأنه لا يمتلك كل تلك الآليات التى يستطيع بها تحقيق ما قاله أو ما فهمناه من كلامه (أن كان صدقا يريد تحقيقه).
إن الحياة السياسية فى الولايات المتحدة الأمريكية تختلف عن الحياة السياسية فى دولنا، فقنوات اتخاذ القرارات فى أمريكا متعددة فيصل عددها إلى تسعه قنوات شرعيه علنية وتتتبع عده هيئات مابين هيئات سياسية وعسكرية واقتصادية وحتى دينية، كل ذلك علاوة عن الجهات غير العلنية والتى من شأنها عرقلة القرارات التى تخدم الصالح العربى أو بمعنى أدق لا تخدم الجانب الإسرائيلى فهناك منظمات صهيونية إسرائيلية داخل أمريكا تستثمر كل طاقتها وأدواتها فى السيطرة على قنوات صناعة القرارات فى الولايات المتحدة الأمريكية مثل منظمه إيباكو الإسرائيلية (والموجودة داخل أمريكا) فتلك المؤسسة التى لا تتعدى ميزانيتها من الجانب الإسرائيلى حوالى أربعة مليارات دولار هى التى أخذت على عاتقها مسئولية تشويه صورة العرب والمسلمين داخل أمريكا، فهى تسيطر على الإعلام الأمريكى وعلى قنوات الاقتصاد، وهى التى تنسق التعاون العسكرى بين القوات الأمريكية والقوات الإسرائيلية عن طريق علاقاتها بقادة الجيش فى الولايات المتحدة والذين هم أنفسهم، إما صهاينة أو من أصول صهيونية أو من ممن يعترفون بحق إسرائيل الكامل فى الاحتلال وأن ما يرتكبونه من مجازر إنما هو حرب مشروعة ضد الإرهاب، حتى بدأنا نحن نصدق ذلك.
هذا هو حال الشأن الداخلى الأمريكى، والرئاسة الأمريكية هى ما هى إلا قناة واحدة من تسعة قنوات، وإن زادوا، لاتخاذ القرار. حقا أن أوباما رئيس الدولة صاحبة القوة الأوحد العظمى فى العالم ولكنه يحكم فى ظل نظام حكم برلمانى فهو يحكم ولا يملك فى ظل برلمان قوى يتكون من أحزاب قوية من ديمقراطيين وجمهوريين، فحتى إن كانت نواياه صادقة، فالآليات التى يمتلكها والشرعية التى تجعله مجرد حكما بين السلطات لا يمكن أن تؤهله لأن يتخذ قرارات فى الصالح العربى، فلا توجد فى أمريكا جهة واحدة تستطيع اتخاذ قرار منفرد وأن زمام الأمور توؤل كلها فى النهاية لأيد الكونجرس الأمريكى والذى هو أغلب أعضائه من كافة الأحزاب يصور لهم العرب والمسلمين على أننا همجيون، ومتخلفون، وإرهابيون من جانب الإعلام الإسرائيلى القوى داخل أمريكا. أن حصول الرئيس الأمريكى أوباما على جائزة نوبل للسلام قد حتمت عليه أن يثبت للرأى العام أنه رجل سلام من الطراز الأول، فيجب أن نستغل ذلك ونتحرك معه عن طريق خلق آليات إعلامية قويه داخل أمريكا تظهر الصورة الحقيقية للاحتلال ومحاولة كسب الرأى العام الأمريكى وكسب تأييده فى مشاكل الشرق الأوسط، ويجب أن نخلق قنوات اتصال مباشرة مع الرأى العام الأمريكى بالحوار مع المثقفين وأصحاب المراكز وصناع القرار فى الجانب الأمريكى وعمل الندوات الثقافية والتبادل المعرفى والثقافى والإخبارى. وهذا الدور لا يمكن أن تقوم به مصر وحدها فحسب، ولكن يجب أن تساعدها كافة الدول العربية فهو من أجل الصالح العام للعرب والمسلمين. هكذا فقط يمكن أن نستغل المناخ الأمريكى الحالى فلن يغير لنا أوباما شيئا بل إرادتنا القوية وعزيمتنا الجبارة وعملنا الجاد من أجل نيل حقوقنا ومطالبنا.
م. عبدالله الطرأوى يكتب.. أوباما حلم بلا شرعية
الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009 08:53 م