عرفت القس إبراهيم عبد السيد راعى كنيسة المعادى نهاية عام 1993، بعد خلافه مع البابا شنودة الثالث بنحو عامين، كان للأب عبد السيد آراء مختلفة فى أمور عقائدية مثل الزواج والطلاق فى المسيحية، والمحاكمات الكنسية، وغيرها، دفعت البابا إلى وقفه عن الخدمة الكنسية، لكنه ظل مؤمناً بما يعتقد حتى وفاته فى عام 1999، وكان مألوفاً أن تشاهد الأب إبراهيم عبد السيد وهو يتجول على الصحف حاملاً كتباً ألفها فى حجم كف اليد تحوى آراءه، داعياً إلى التجديد فى الكنيسة، حتى ولو عبر مقال هنا أو هناك.
فى هذا التاريخ كانت أمور الكنيسة تجرى داخلها فقط، ولا يكاد الإعلام يعرف عنها شيئاً، وبعد سنوات أصبحنا نسمع ونقرأ للعلمانيين المسيحيين، ويعقدون مؤتمراً سنوياً ويطرحون للنقاش تعديل لائحة اختيار البابا، ورغم أن البعض قد يعتبر ذلك خروجاً على التقاليد الكنسية، وقد لا يحظى برضا أغلبية الأقباط، لكن ما كان يحاط بالسرية البالغة خرج إلى العلن حتى يعرف الناس كل شىء، حتى فى أمور كنسية وعقائدية قد لا تشغل بال البعض.
قبلها بسنوات وتحديداً فى عام 1989 كنت أعمل صحفياً بجريدة الشعب ولم يكن مسموحاً فى الصحافة المصرية حزبية أو قومية انتقاد الرئيس أو الاقتراب من شخصه وعائلته، ومعه أيضاً وزراء الداخلية والخارجية والإعلام، وظل من يتبوأون هذه المناسب فوق النقد أو التناول الإعلامى، حتى جاء الزميل صلاح النحيف بشريط كاسيت لمؤتمر جماهيرى شارك فيه وزير الداخلية الأسبق زكى بدر يمتلىء بالسباب والشتائم التى يعاقب عليها القانون وطالت الحكومة والمعارضة على حد سواء.
واتخذ رئيس التحرير المرحوم عادل حسين قراراً بنشر شتائم وزير الداخلية، رغم إن الكثير منها يخدش الحياء العام، ونفد هذا العدد من الصحيفة وأقال الرئيس وزير الداخلية، لكن هذا الموضوع أسقط الحصانة التى احتفظ بها وزراء داخلية مصر على الدوام، وخاضت بعدها الشعب حملات صحفية ضد كل وزراء الداخلية التاليين حتى إيقافها عام 2000، لكن ما فعلته الشعب كان بداية نزع الحصانة والقداسة عن أى منصب عام حتى ولو كان شاغله هو رئيس الجمهورية.
فى سنوات التسعينات أيضاً لم يكن الحصول على معلومات عن جماعة الإخوان المسلمين أمراً يسيراً، وباستثناء بعض الذكريات القديمة التى يحملها المرحوم على عشماوى المتهم الثالث فى قضية الإخوان عام 1965، أو من خلال معلومات تسربها أجهزة الأمن للمتعاملين معها، ظلت جماعة الإخوان بمثابة منجم الأسرار الكبير، الذى لا يقترب منه الكثيرون، حتى تقدم المهندس أبو العلا ماضى بأوراق تأسيس حزب الوسط لأول مرة فى عام 1996 ليشق عصا الطاعة المسيطرة على الجماعة، وتبدأ فى الانفتاح أمام وسائل الإعلام.
وقبل انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة التى تحولت إلى حديث إعلامى بامتياز، أصبح من اليسير الاطلاع على ما يحدث داخل الإخوان على المدونات والملتقيات وساحات الدردشة وغيرها من الوسائط الإعلامية الحديثة، ناهيك عن وجود جيل مختلف داخل الجماعة من أبرز رموزه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يؤمن بالحوار والانفتاح على الآخرين، وحق المجتمع فى المعرفة.
فى مصر تقريباً سقطت معظم الأسرار، ولم تعد أى مؤسسة سياسية أو دينية أو حتى جماعة مغلقة محجوبة عن الناس، تلاشت المحظورات، أمام طوفان المعرفة الذى يجتاح الجميع، وهذا دليل على أن مصر تتغير بشكل كبير، رغم أن التغيير فى حد ذاته ليس هدفاً، وإنما الهدف الأكبر والأهم هو التغيير الإيجابى ليس الذى يفتح المؤسسات أمام الإعلام، وإنما الذى يغير عقول القائمين على تلك المؤسسات، ويجعلهم يتقبلون الاختلاف.. وهو أمر لا يزال بعيداً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة