أحمد مصطفى

أنا والكمامة ومؤتمر المناخ

الأحد، 20 ديسمبر 2009 07:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"ما أحلى الرجوع إليه"، كانت هذه الكلمات من رائعة عبد الوهاب أنشودته العظيمة "أيظن" راحت ترن بأذنى بمجرد أن أعلن قائد الطائرة المتجه من "براغ" إلى كوبنهاجن وعندما رحت أتامل رحلتى الأولى إلى الدنمارك عام 2006 على هامش ورشة عمل حول أزمة الرسوم "المسيئة"، وبمجرد أن خرجت من صالة الوصول كنت أتخيل أننى سأجد الأوروبيين جميعهم قد وضعوا الكمامات خوفا من "المفزع" فيروس أنفلونزا الخنازير، وبثقافة التقليد وبناء على وصية إخوتى الذين هاتفونى من الصعيد واستحلفونى بالميتيين والحيين بألا أتخلى عن الكمامة لأنها مثل سلاح الجندى فى الميدان وأن بتوع الدنمارك ممكن "يعطسوا" بالعامد فى وجهى المسلم عشان أموت فهم على حد ما زعم لهم إعلامنا، هم يبحثون عن فناء الإسلام.

عندما قمت بوضع الكمامة وأثناء مرورى بين المسافرين وجدت ضحكات السخرية تتعالى فسألت أحد المصريين الذين التقيت بهم أثناء الترانزيت فى مطار براغ بجمهورية التشيك فأخبرنى أن المرض هنا لم يصل إلى معدلات الفزع الموجود بمصر، ربما بسبب أن التهوية والجو الخالى من أى تلوث والزحام الذى لا تراه إلا فى بلادنا.

الدنمارك التى استضافت قمة المناخ التى زارها عشرات الآلاف من دول أخرى وشهدت أضخم مظاهرة جمعت مليون مواطن رأيتهم حولى بالشارع، ورحت أتحرر من "بطاقتى" الصحفية الموضوعة برقبتى داخل المكان الذى تم تخصيصه للصحفيين، وهو مكان مرتفع نسبيا ووجدت نفسى أهتف وراء الهتاف الموحد "نعم نستطيع" وهو المستوحى، حسبما أكد لى مرافقى من أنه مستوح من حملة الرئيس الأمريكى أوباما للانتخابات الرئاسية.

من بين المناظر التى تدعو للوقوف أمامها كثيرا هو مدى التزام الدنمارك بالحفاظ على البيئة النظيفة، حتى إن مجرد تفكيرك فى تدخين سيجارة يتطلب منك أولا أن تنزل إلى الشارع، لأن الأماكن المغلقة ممنوع فيها التدخين، ثم بعد ذلك عليك أن تبحث عن الشارع المسموح فيه بالتدخين، وربما يتطلب منك هذا الأمر أن تسير مشوارا كبيرا.

7 أيام تلك التى قضيتها فى رحلتى إلى "كوبنهاجن" العاصمة الدنماركية التقيت فيها عشرات من الشباب الواعى الذى راح يأخذ على نفسه أن يتعلم ويقدم الجديد من أجل الآخرين أنهم شباب "كورسن بورد" مجموعة من خيرة الشباب راحوا يقدمون أموالهم من أجل الحصول على كورس مدته 6 أشهر، بغية الحصول على دورة السفراء البئيين والذين راحوا ينتظمون فى دراستهم باهتمام شديد، كما أنهم فى الوقت ذاته لا يتركون أى فرصة من أجل الترفيه إلا وينعمون بها، المكان الذى اختير لهذا الكورس هو "كلية هوملى باك" تلك الضاحية التى تبعد عن كوبنهاجن العاصمة حوالى 35 كيلو مترا، بمجرد أن تطأ قدمك محطة القطار وتأخذ طريقك باتجاه مقر "الكلية" ينتابك إحساس بأنك تسير داخل صفحات أحد الكتب التاريخية التى تحوى العديد من الأسرار أو كما كنت أردد أننى أحسست كأنى داخل أحد أماكن التصوير الخاصة بأفلام الرعب الأجنبية، لكن عندما تتقدم للدخول إلى تلك الكلية تفاجأ بعشرات الشباب والفتيات من كافة الجنسيات والابتسامة لا تفارق شفاهم، كما أنهم دائما يبادروك بالتحية.. طيلة اليوم وقتهم مشحون بورش العمل والاطلاع أما ليلهم فتجد أن الأمر يتغير تماما، فالكل يرتدى ملابس السهرة وتشتم رائحة البرفانات الأوروبية الفاخرة والكل يرقص ويغنى، أما فى الصباح الباكر فتجد هناك مجموعة تقوم بأعمال النظافة وأخرى تأخذ طريقها إلى حضور جلسات مؤتمر المناخ، أما المجموعة الأخيرة فقد ارتأت أن تعد نفسها لعرض "البرزنتيشن" الخاص بها وتجهيز وسائل العرض وأفلام الفيديو القصيرة.

الشخصيات التى قابلتها تركت ذكريات جميلة لدى فهذه "هنا" الفتاة اليمنية التى تعيش بالسعودية حيث المجتمعات المغلقة تنجح فى الوصول إلى الكورس وتبقى إحدى طالباته، وتزداد سعادتها كثيرا عندما يتم إلحاقها بإحدى الصحف الدنماركية للتدرب على فنون العمل الصحفى بها، ولكن ما يشغل بالها ويجعلها شاردة هى أن الكورس لم يتبق عليه سوى أيام قليلة فعليها المغادرة لتعود إلى نقطة الصفر حيث المجتمعات المغلقة.

أما "عروبة" تلك الفتاة العراقية المولودة بالدنمارك فهى تتحدث العربية، لكن لا تعرف قراءتها، كانت سعيدة جدا بمجرد عرفت بوجود صحفيين مصريين فى المبنى نفسه التى تقيم فيه فحضرت لتقول إنها تعرف مصر جيدا فزوجة عمها مصرية وعندما باغتها عن أى شىء تدرسين قالت العولمة وعلاقات الدول، لكنها قالت، "أنا مصرة على التفوق والنجاح".

الإصرار نفسه وجدته لدى "كارا" الفتاة التى حضرت من مدينة مكسيكو سيتى وأخبرتنى إحدى مرافقاتى أنها قد باعت سيارتها وجهاز الكمبيوتر الخاص بها من أجل الحضور إلى الكورس، فالحضور يتطلب 3 آلاف يورو فطلبت أن التقيها ووجدتها فتاة مصرية فهى تشبهنا كثيرا، وبررت حضورها للكورس وكيف استغنت بسهولة عن سيارتها وكمبيوترها بأن المعرفة تستحق أن ندفع لها الكثير من أجل الحصول عليها، فرفعت لها قبعتى احتراما وتمنيت أن تطول رحلتى لأنعم بفرصة التعرف والإنصات إليها أكبر وقت ممكن.

أما النموذج الثالث الذى لفت انتباهى كثيرا فهى "سوزانا" الفتاة المجرية التى ما إن وطئت قدماى إلى الكلية حتى رأيتها تفاجئنى بابتسامة عريضة وتعرفنى بنفسها، وقد بادلتها التعارف وأخبرتها أن قد مررت ببلدها فى عام 2006 لمدة 6 ساعات سوزانا هى بحق "دينامو" الكورس فهى كثيرا ما تراها تسهر معنا بغرفة "الكمبيوتر" إلى وقت متأخر، كما أنها تعد أول الوجوه التى تراها فى الصباح الباكر، حيث كنت أحب أن أتنفس الهواء البارد بعيدا عن المبنى والغرف التى تنعم بجوها الساخن بفعل التدفئة الصناعية.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة