أما وقد علت الشكوى مؤخرا حول ضعف الانتماء للوطن حتى تحدث عنه أقطاب من الحزب الحاكم، فذاك أمر جدير بالحديث عنه، وإذا كان الإنسان يحتاج إلى الانتماء لجماعة – ليست بالضرورة الإخوان المسلمين - أو مجموعة، تفعل قدراته، وتشعره بذاته، وتعيد التوافق بين الفرد ومجتمعه، كما قال علماء التربية، حتى عدها بعضهم ضمن الاحتياجات الأساسية للصحة النفسية للإنسان.
وإنا لنلحظ ضعف الانتماء جليا فى الرغبة العارمة لدى كثير من الشباب فى الهجرة للخارج بأى صورة أو وسيلة ولو كانت نتيجتها ابتلاع البحر للجسد.
وإذا كان بعض الساسة مشغولين بأمورهم الخاصة، واعترضتهم مسألة الانتماء على الهامش، رغم كونه حاجة أساسية للإنسان قبل الوطن، فإن أحدا منهم لم يسأل نفسه، كيف يحدث الانتماء وكل المنابر مغلقة؟؟ فلا أحزاب حقيقية تتحرك فينتمى إليها الشباب فتفعل طاقاته وتذيب الخلافات، ويشعر معها بالانتماء، ولا منظمات مجتمع مدنى تحتضن الشباب ويسمح لها بالتحرك إلا بإذن مسبق، ولا حتى مراكز الشباب تفتح أبوابها فى وجه من يبحث عن مكان يفرغ فيه طاقته.
وبعدما يولى الشاب وجهه شطر كل منافذ النور التى تفعل انتماءه فيجدها مؤصدة فى وجهه، لا يجد أمامه سوى منبرين لا يمكن غلقهما، حتى فى أعتى النظم الشمولية، وهما منبرا المسجد والكنيسة، فينتمى المسلم للمسجد، وينتمى المسيحى للكنيسة، وتزداد الهوة بين الطرفين ولا يلتقيان إلا فى حرق كنيسة أو خطف فتاة أو الاعتراض على بيت أو قطعة أرض أو قضية تنصير أو إسلام.
ويزداد الاحتقان بزيادة مسافة التباعد بين الطرفين، بعدما صارت كل طرق التواصل والالتقاء بين طرفى المجتمع مغلقة، ولا يجد الشاب ما يفعل فيه قدراته سوى التنظيمات التى تتحدث باسم الرب ونيابة عنه ويفرح الكاهن بتحلق الشباب من حوله، وكذلك يسر الشيخ باستماع الشباب والفتيات لخطبه، ويبدأ كل من الرجلين فى التحدث عن عظمة دينه والتهكم على معتقد الآخرين.
وكلما كان رجل الدين بليغا مفوها، كلما جذب من حوله الأنصار ولو فتحت منابر الأحزاب وسمح لها بالتعاطى مع الناس، لربما كان رجل الدين هذا أحد رجال الأحزاب، ولكان الخلاف بين من ينتمى إليها خلافا سياسيا بدلا من أن يكون خلافا دينيا، بعدما صار الانتماء للمسجد والكنيسة فقط ولا غير.
ولأن رجل الدين زعيم دينى فعليه أن يقدم لأتباعه ما يستحق عليه الزعامة من التفرد فى الحكم والفتوى، ويبدأ الطرفان فى سكب نار الفتنة على عقل الشباب الفتى، ويكون الحصاد عنفا متبادلا بعدما زُرِعت بذور الكراهية المتبادلة.
خلاصة القول، كلما أغلقنا بابا نحو النور، قطعنا شوطا نحو الظلام، والذين يعتقدون أنهم بإسكات كل الأصوات والمنابر يقدمون خدمة جليلة لاستقرار الأوضاع، يزيدون فى احتمالية إشعال النيران فى الجوانب المظلمة، فاليد التى لا تنشغل بالخير، تنشغل بالشر وتشغل غيرها معها، ومن لا يُفًَعّل يفسد وإذا لم تكن طاقات الشباب بابا نحو النور والأمل فلا يجب أن تكون قبرا يسير على قدمين.
إن كل مساحة للحرية ينعم بها الوطن- أى وطن- هى جرعة قوة ولقاح ضد الضعف والانهزام. وإن إتاحة الفرصة للأحزاب الحقيقية أن تنهض، هى خط الدفاع الأول عن عافية هذا الوطن ووحدته. إننا يجب أن نبصر أبعد من قدمينا، حتى نرى الحفر التى تنتظرنا وما أكثرها، بفعل التصورات الخاطئة غالبا، وبفعل الأخطاء المقصودة أحيانا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة