هلّت علينا فى هذه الأيام ذكرى عظيمة لعلها لا تغيب عن أذهاننا؛ لأنها ترتبط بنقلة مهمة فى حياة الأمة الإسلامية على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، هى ذكرى حية عاشت وستظل موجودة إلى أن تطوى السماء كطى السجل للكتب، هذه الذكرى العظيمة هى هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة، هجرته من القيد إلى الحرية ومن الفساد إلى الإصلاح، وبطبيعة الحال لا يأتى الإصلاح إلا بالتغيير، فرسولنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم - هاجر من مكة إلى المدينة بأمر ربه، حينما اشتد عليه وعلى أصحابه الظلم والطغيان والفسق والضلال فى مكة، فأراد الله له أن ينتقل من الظلمات إلى النور واتخذ كل الوسائل والمعينات لذلك.
وها نحن نسعى إلى الإصلاح والتغيير فى حياتنا، نريد أن ننتقل من الفساد إلى الإصلاح ومن الديكتاتورية إلى الديمقراطية ومن الضغينة والحقد إلى الحب والمودة، ومن الأدنى إلى الأعلى، فالله ـ تبارك وتعالى ـ يحب منّا المعالى فى كل شىء ويكره سفاسفها، وهناك دوائر ثلاث يجب أن نتحرك من خلاها:
أولا: الإصلاح والتغيير على مستوى الفرد:
فلابد أن نبدأ بأنفسنا وإصلاحها، فكل فرد يعلم نقاط ضعفه وقوته، فعليه أن يصارح نفسه بها ولا يخجل من محاسبة نفسه على كل فعل وعمل "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم"، وعلينا أن نقوى من إيجابياتنا ونقلل من سلبياتنا، والسؤال المطروح هنا كيف يحقق الفرد ذلك ؟ وتكمن الإجابة فى:
الحرص على العبادات والطاعات، فعلى كل مسلم أن يحرص على عبادة الله ـ عز وجل ـ بمعناها الشامل ويسعى إلى تحقيق الطاعة فى نفسه، لأن العبادة تُنقّى القلب من أمراضه التى انتشرت فى الآونة الأخيرة من حقد وحسد وضغينة، كما أن العبادة تقى صاحبها من الوقوع فى الفحشاء وعمل المنكرات "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" وهذا عن الصلاة فقط، فما بالنا لو التزم كل منّا بباقى العبادات والطاعات وداوم عليها .
العمل على تقويم المهارات الفردية: فلكل منّا مهاراته الخاصة التى يكون بارعًا فيها، وهذه المهارات لابد وأن ننميها أما باقى المهارات الأخرى التى لم نتقنها بعد، فعلينا أن نتعلمها وذلك عن طريق القراءة والمطالعة المستمرة، والتعلم والدراسة وما إلى ذلك، والتفكير فى المستقبل بصورة متفائلة .
تطوير القدرات الذهنية: فعلى كل فرد أن يطور من أفكاره الذهنية، فالعقل البشرى لا يقف عن التفكير فهو فى تفكير دائم ومستمر فبدلا من أن يفكر العقل فى أشياء ليس لها قيمة، أو ربما لها ضرر يفكر فى شىء ذات قيمة ومنفعة لنفسه ولغيره.
ثانيًا: الإصلاح والتغيير على مستوى الأسرة:
طالما أن الفرد قام بإصلاح وتطوير نفسه، فلابد أن يسعى لإصلاح من حوله، فالداعى إلى الخير كفاعله وأقرب الناس له أسرته التى يعيش فيها مع غيره من أفراد الأسرة فعلى كل فرد فى الأسرة أن يسعى للإصلاح من شأن الآخر حتى تصبح أسرنا أسراً متطورة صالحة قادرة على أن تؤثر فى المجتمع بأسره، وذلك عن طريق النصح والإرشاد، بالتفاهم واللين وليس بالقسوة والشدة "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ"، كما يجب أن نغرس فى أطفالنا براعم اليوم وثمرة المستقبل حب الإصلاح والتغيير للأفضل، ونعلمهم أن يكونوا نافعين لغيرهم ومجتمعهم.
ثالثًا: الإصلاح والتغيير على مستوى المجتمع:
ويأتى التغيير فى المجتمع من أجل إصلاحه عن طريق إتقان كل منّا عمله، ومعرفة كل منّا لدوره، ولا بد أن نكون يد واحدة فى الدفاع عن مجتمعنا ضد أى فساد أو إفساد، وعلينا أن نُغلّب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، سعيًا للإصلاح فى المجتمع، وترك السلبية واللامبالاة.
والتغيير يأتى من وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، صاحب الكفاءة والخبرة العالية فى كل المجالات لتحقيق مستقبل مشرق.
ولعلنا نخرج من خلال تأملنا لأحداث الهجرة، وقلوبنا قد امتلأت حبًا للتغيير إلى ما هو أفضل لذواتنا، ومن حولنا، وأمتنا من خلال الدوائر الثلاث الفرد والأسرة والمجتمع.
وكما قال الشاعر إيليا أبو ماضى:
قوم صفت أخلاقهم ووجوههم
فالحسن مجموع إلى الإحسان
لهم الأيادى البيض والشّيم التى
لو مثلت كانت عقود جمان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة