لماذا لا يضع رؤساء الوزراء والوزراء السابقون العمل الحزبى فى دائرة اهتمامهم؟، لماذا يتركون كرسى الوزارة إلى أعمالهم الخاصة، أو الجلوس فى منازلهم للتريض، أو الحديث لوسائل الإعلام، لإبداء الرأى فى القضايا المطروحة؟
لم نر مثلا فى السنوات الأخيرة رئيس وزراء أو وزيراً، يخرج من الحكومة إلى صفوف حزب معارض، بالرغم من أن بعضهم، وبعد التحرر من قيود ومقتضيات المنصب، تقرأ لهم آراء انتقادية للسياسات العامة. مبدأ الانتقال من العمل الوزارى إلى المعارضة، شاهدناه تقريبا فى تجارب قليلة، وتقريبا كانت كلها فى عصر الرئيس الراحل أنور السادات، وأبطالها ينتسبون إلى الفكر اليسارى، وبدأت مع المفكر الراحل الدكتور فؤاد مرسى الذى عارض السادات، ثم استقال من منصبه الوزارى وشارك فى تأسيس حزب التجمع، والدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، أحد أبرز خبراء التخطيط الذين شهدتهم مصر، والذى عارض السادات علنا وهو فى منصبه الوزارى، وتقدم باستقالته ذاهبا إلى حزب التجمع، ليصبح واحدا من أبرز قياداته، كان مرسى وعبدالله من أبرز رواد الحزب الشيوعى المصرى (السرى)، وواصلا عملهما السياسى بعد الوزارة فى حزب التجمع، وعلى هذا المسار كان الدكتور محمد محمود الإمام الذى تولى وزارة التخطيط مع السادات ثم عارضه، ليخرج من الوزارة إلى عمله البحثى الخاص، وظل سنوات خارج الصفوف الحزبية حتى التحق لفترة قصيرة بصفوف الحزب الناصرى.
فى المشهد أيضاً أسماء مثل وزيرى الخارجية الراحلين إسماعيل فهمى، ومحمد إبراهيم كامل، الأول استقال احتجاجاً على زيارة السادات إلى القدس، والثانى استقال احتجاجاً على اتفاقية كامب ديفيد، وانضم فهمى إلى الوفد لفترة دون نشاط حزبى، وواصل الثانى نشاطه فى مجال حقوق الإنسان كأول رئيس للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وسألته فى حوارى معه عن سبب تحوله إلى هذا النشاط، فأجاب: «نادانى فتحى رضوان فلبيت النداء»، فى إشارة منه إلى أن السياسى الكبير الراحل فتحى رضوان، الذى كانت تربطه به علاقة وثيقة، أقنعه بعدم الاكتفاء بالجلوس فى البيت بعد سنوات من العمل فى وزارة الخارجية، وضرورة المساهمة فى العمل العام من خلال نشاط حقوق الإنسان.
فى الثمانينيات من القرن الماضى، ومع الرئيس مبارك، أخذت المسألة نهجا عكسيا، وبدلا من الانتقال إلى صفوف المعارضة، حدث العكس، وكانت أشهر التجارب فى ذلك، استقالة الدكتور يحيى الجمل من حزب التجمع الذى ظل منذ سنوات تأسيسه الأولى (1976) نائباً لرئيسه خالد محيى الدين، ومعبرا للتيار القومى فى الحزب، لكن الجمل استقال من الحزب فى عام 1987، لينضم إلى صفوف الحزب الوطنى، ويخوض الانتخابات البرلمانية على قائمته، وبعد هذه التجربة خرج الجمل من صفوف «الوطنى»، ليعود إلى سيرته الأولى كمعارض، ولكن دون غطاء حزبى بعد أن ظل لفترة قصيرة من مؤسسى حزب الجبهة برئاسة الدكتور أسامة الغزالى حرب.
شهدت هذه المرحلة أيضاً خروج الدكتور حلمى الحديدى من صفوف حزب العمل بقيادة المهندس إبراهيم شكرى، بعد أن كان نائبا لرئيس الحزب، وبعد الاستقالة تم تعيينه وزيرا للصحة، وبعد خروجه من المنصب، ظل مستقلا، وخاض الانتخابات البرلمانية فى محافظته دمياط، ولم يحالفه الحظ رغم اسمه السياسى الكبير.
بقيت أسماء، فؤاد مرسى، وإسماعيل صبرى عبدالله، ومحمد محمود الإمام، ويحيى الجمل، وحلمى الحديدى، علامات بارزة تدل على سيولة أو مرونة الانتقال من الصف الحكومى إلى المعارضة وبالعكس، كما بقيت أيضا علامات بارزة على مواصلة العمل السياسى بغطاء حزبى، وإن كان بعضها لم يواصل الطريق إلى النهاية مثل الإمام والجمل والحديدى، وهى جميعا تطرح السؤال.. لماذا لم يتواصل ما فعله هؤلاء؟
الأمر لا يقتصر على السؤال السابق، لكن يتشعب منه سؤال آخر.. لماذا يودع التوهج صورة الوزراء السابقين فى العمل الحزبى داخل الحزب الوطنى، بعد أن ظلوا لسنوات فى صفوف الحزب الأمامية؟ لماذا لا يستفيد الحزب بهم بطريقة أو بأخرى، حتى لا يبدو الأمر كأن قوتهم فقط كانت مستمدة من وجودهم فى العمل الوزارى؟
فى التطبيق سنجد الكثير مما يروى فى ذلك، والعديد من الأمثلة التى تقودنا إلى أن الوزير الذى يخرج من منصبه، يبدو كأن حكما بالإعدام السياسى قد طاله، وليس له حق الاستئناف أو النقض، ولنبدأ من مثل ناصع مثل الدكتور أحمد جويلى وزير التموين الأسبق، والذى ترك سيرة محمودة أثناء عمله الوزارى، دفعت الحزب الوطنى إلى ترشيحه فى الانتخابات البرلمانية فى دائرة الجيزة عام 1995، وقيل الكثير وقتها عن عدم وقوف الحزب معه بالدرجة الكافية، وهو ما أدى إلى نجاحه بعد جولة الإعادة، وبعد أن خرج جويلى من الوزارة، لم يتكرر ترشيحه، وتولى بعدها منصب الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، بالإضافة إلى عمله مع الأمير وليد بن طلال فى مشروع توشكى، فأين عمل الرجل فى مجال السياسة الداخلية؟، ولماذا ركنه الحزب على الرف، وهو صاحب نشاط وزارى إيجابى يرى البعض أنه كان سببا فى إبعاده من منصبه بدلاً من أن يصب فى ميزان حسناته، ويبقيه وزيرا لسنوات أخرى بدلا من الفترة القصيرة التى قضاها فى الوزارة، وإذا كان هذا هو السلوك الحزبى الذى تم مع رجل بكل هذا الوزن، فالسؤال.. لماذا لا يفكر دكتور جويلى فى العمل الحزبى بعيداً عن الحزب الوطنى؟
السؤال نفسه مطروح على الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق، والذى يملك رصيداً جماهيرياً لا بأس به، جاء على خلفية نزاهته، ورؤيته فى مسار الخصخصة غير التى سار عليها خلفه الدكتور عاطف عبيد. وبنفس القدر هناك المهندس أحمد الليثى وزير الزراعة السابق، والذى رفع شعار الاكتفاء الذاتى فى إنتاج القمح، وغيرها من السياسات التى حاولت تصحيح مسارات لسابقه وزير الزراعة يوسف والى، الليثى حالياً نائباً برلمانياً عن الحزب الوطنى، والاحتمال الأرجح ألا يتم ترشيحه فى الانتخابات المقبلة تحت شعار التغيير والتجديد فى دماء الحزب، فيما يعنى استبعاده من الحزب، لينال بذلك حكماً إضافياً ضده بعد خروجه من الوزارة.. فهل يملك الليثى القدرة على الانضمام إلى حزب معارض وخوض الانتخابات على قائمته؟
السؤال مطروح على الدكتور محمود أبوزيد وزير الموارد المائية والرى السابق، وهو نائب برلمانى الآن عن الحزب الوطنى فى محافظة الغربية، وأغلب الظن أن الحزب لن يرشحه فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهل سيكتفى الرجل بكونه واحدا من خبراء المياه العالميين، وينكب على بحوثه فى مجاله، ويودع زخم الحياة السياسية التى عاشها فى صفوف الحزب الوطنى، أم أنه سيفعلها وينضم إلى حزب معارض؟
هناك أسماء أخرى تصلح لطرح السؤال مثل الدكتور عبدالمنعم عمارة رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة الأسبق، ومحافظ الإسماعيلية الأسبق، والذى يمارس نشاطه الآن فى الكتابة الصحفية دون الاستفادة الكاملة منه فى العمل العام، وإذا كان الحزب الوطنى لا يلتفت إليه، فلماذا لا يلتفت هو إلى حزب معارض ينضم إليه؟
وقبل هؤلاء نجد اسما بوزن السياسى الكبير منصور حسن، الوزير فى عهد السادات، وأحد مؤسسى الحزب الوطنى معه، والذى ظل لسنوات طويلة عازفا عن الأضواء، حتى عاد إليها بقوة فى الأعوام الأخيرة، منتقدا سياسات الحزب وأداء الحكومة، وللرجل مريدون كثيرون من بين صفوف الحزب الذين يذكرونه بالخير، وإذا كانت قناعات منصور حسن السياسية لا يراها الآن فى الحزب الوطنى، فلماذا لا يجربها فى حزب سياسى آخر، يتسع لقناعته الليبرالية، وهناك حزبا الوفد والجبهة معبران عن تلك الليبرالية؟
ربما يرى البعض من الأسماء السابقة وآخرين مثلهم، أنه لا يوجد من بين أحزاب المعارضة الحالية من يعبر عن رؤيتهم السياسية المقتنعين بها، لكن لماذا لا يفكر هؤلاء فى الأمر بطريقة أخرى، ومنها الاكتفاء بحد أدنى من الاتفاق على خطوط سياسية عامة، تأخذ مبدأ الإصلاح السياسى الذى لا يختلف عليه مجمل الأحزاب فى رؤيتها العامة.
لمعلوماتك..
◄ 17 عاما قضاها الجنزورى وزيرا للتخطيط، ورئيسا للوزراء، بدأت عام 1982
◄ 5 سنوات هى الفترة التى قضاها الدكتور عبدالمنعم عمارة رئيسا للمجلس الأعلى للشباب والرياضة بدأت عام 1993
◄ 3 سنوات هى فترة دكتور أحمد جويلى وزيرا للتجارة والتموين بدأت عام 1996
◄ 2004 العام الذى تولى فيه أحمد الليثى وزارة الزراعة واستمر حتى عام 2005
الحزب الوطنى يحكم بالإعدام السياسى على الوزراء الذين يخرجون من الحكومة.. فلماذا يوافقون هم على هذا الحكم؟
هل سينضم الجنزورى ومنصور حسن وجويلى والليثى وأبوزيد وعمارة إلى أحزاب المعارضة؟
الجمعة، 18 ديسمبر 2009 12:15 ص
منصور حسن
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة