فى أثناء انعقاد المؤتمر الأخير للحزب الوطنى، استمع السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب، إلى الصف الثانى من قيادات الحزب فى المحافظات، وعندما جاء دور الدكتورة منى الشحات، أمين المرأة بقنا، تحدثت بمرارة عن الأخطاء والإخفاقات التى يقع فيها التنفيذيون ويُحاسب عليها الحزبيون، وبالعكس، تذهب جهود الحزبيين إلى التنفيذيين.
كلام الدكتورة منى، ذكرنى بتجربة والدى-رحمة الله عليه- فقد قضى أكثر من 25 عاما فى الخارج، وكان يهوى جمع الأموال والاحتفاظ بها لشراء الأراضى، أو الإبقاء عليها «أموالا سائلة»، مثل أى صعيدى لا يهوى الاستثمار، لأنه كان عديم الثقة فى الحكومة وفى المشروعات المتعلقة بها، وكان دائما يردد عبارته الشهيرة «الحكومة تعطى باليمين وتأخذ أضعافه بالشمال!».
لكن مع تقدم والدى فى السن ومرضه، فكر فى استثمار أمواله بجدية فى مصر، وقد كنت دائما أحذره من الاستثمار فى الخارج، وأحاول إثناءه عن السفر والاستثمار فى مصر، ولم تكن رغبة والدى فى الاستثمار الداخلى نزولا على رغبتى، بقدر ما كانت اقتناعا منه بمنهج الحكومة لدعم الاستثمار، لا سيما بعد ءن استمع والدى إلى برنامج بالتليفزيون المصرى، كان ضيفه وزير الاستثمار الشاب محمود محيى الدين.
فكر والدى فى الاستثمار الزراعى بقنا، وقام بعمل دراسة لمشروع زراعى حيوانى.. شجعتُه، واصطحبته إلى المحافظ مجدى أيوب، الذى رحب بالفكرة، وعلى الفور كلّف اللواء فايز عبدالعزيز سكرتير عام المحافظة برفقتنا لمشاهدة الأراضى الصحراوية التى تصلح للاستثمار، فوقع الاختيار على أراض واقعة فى الظهير الصحراوى للمحافظة.. فوجئتُ بأن أغلب هذه الأراضى يقع تحت سطوة البلطجية ومن يملكون «السلاح»، وكذا عدد من النواب، وهو ما أعاق الشركة اليابانية فترة كبيرة عن العمل فى مشروع استصلاح 700 ألف فدان, لم يتبق منها شىء، حتى أن بعض التعديات لحقت بالأراضى الخاصة بشباب الخريجين.. وللحقّ، فإن السكرتير العام وقتها- كان يقوم بإزالة التعديات المخالفة.
بحثنا عن بديل، فوجدنا قطعة أرض صحراوية على النيل؛ ذهبتُ للكشف عليها فى إدارة الأملاك بقنا، فوجدتها مخصصة لإقامة مدرسة زراعية..فسأل والدى عن جدوى إقامة المدرسة على هذه الأرض التى سوف تروى «بالغمر» فى حين أن الطلاب سيتم تعليمهم على الرى بالوسائل الحديثة (الرش والتنقيط) ولماذا لم تخصص للمدرسة أراض فى الظهير الصحراوى للتطبيق العملى؟ ولم يجد إجابة! لم نكل من البحث عن البديل فوجدنا لافتة على قطعة أرض أخرى تفيد بأنها «أملاك دولة» بجوار أراضى مدرسة الزراعة، فذهبنا إلى «الأملاك» للتأكد من ملكيتها، فوجدناها مخصصة للمشروعات المستقبلية للمصالح الحكومية، وهى أراض ستفقد قيمتها، لأنها حتما سوف تدمرها المبانى الخرسانية!
أمام هذا كله يئس والدى فاتجه إلى الاستثمار العقارى (الذى يستهوى غالبية أبناء الصعيد)، وبالفعل استخرج رخصة لإقامة برج سكنى مكون من 10 طوابق، ورغم البيروقراطية والتعقيدات تحمّل، حتى وصل ببناء البرج إلى الدور السادس، ثم قام المحافظ بإيقاف كل الأعمال الإنشائية فى المحافظة، وتواكب ذلك مع بداية الأزمة المالية، بحجة وضع اشتراطات جديدة للمنشآت التى توقفت، وعددها11 برجا سكنيا تحت الإنشاء، ومنع بناء 46 عقارا حصل أصحابها على تراخيص، وتبلغ قيمتها أكثر من مليار جنيه.. عام كامل والمحافظ يماطل، وخلال هذه الفترة اشتد المرض على والدى ثم رحل إلى جوار ربه.
أصحاب البصيرة قالوا إنهم يريدون جمع تبرعات من أصحاب العقارات، وعندما واجهت المحافظ، رد بأنه لم يجمع تبرعات إجبارية من المواطنين، بل هى اشتراطات «الحماية المدنية»، فى حين أن «الحماية المدنية» قالت فى تقريرها: «لا مانع من استكمال البناء فى العقار»، لكن المحافظ لم يلتفت، بل قام بالضغط على المجلس الشعبى المحلى للمحافظة لاستصدار قرار خاطئ وغير قانونى فى جلسته المنعقدة بتاريخ 20 أغسطس الماضى، فنص القرار على إلزام كل مواطن (قام أو يرغب فى إقامة بناء يزيد عدد طوابقه على الستة، بالتبرع بمبلغ 100 جنيه عن كل متر من كامل مساحة الأرض، وكذا 100 جنيها عن كل متر بكل طابق من الطوابق فيما فوق السادس، وذلك لحساب صندوق الخدمات والتنمية المحلية بالمحافظة.. فهل التبرع بالإجبار، أو ربطه بشروط يعد قانونيا؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة