هى سيدة من الزمن القديم جداً، كلما جلست فى مكان أمسكت بإبرة التريكو لتغزل، كان الأمر هواية تحولت إلى مهنة لفوزية عبد الوهاب ابنة العمدة التى ولدت عام 1941 فى محافظة المنيا مركز سمالوط قرية منقطين، وكانت الصغرى لأختين أكبر منها.
توفى والدها وهو ابن عمدة «منقطين» وعمرها 7 أيام وكعادة أهل الصعيد بما أن المتوفى والد لبنات فقط فقد قيل للأم إن «ابننا ما خلفش»، بل الأدهى أنها تحكى ودموع المرارة تغلبها: «كان ابن عم أمى عاوز يتجوزنى من بعد وفاة أبويا، فكان يحملنى وأنا صغيرة ويرمينى فى مية الترعة، ويهددنى أنه ح يغرقى لو متجوزتهوش».
من هنا بدأت رحلة كفاح أم فوزية رحمها الله، فعملت ما استطاعت من الخبز والخياطة وباعت إلى أن تمكنت من تزويج بناتها عند سن الرابعة عشرة، وتحكى فوزية عن قصة زواجها فتقول: «اتعلمت الخياطة والتطريز من وأنا عندى عشر سنين، كنت باشتغل المفارش والفساتين واكسب منها مع أمى، لحد ما جيه اليوم الشؤم اللى اتجوزت فيه قريب أبويا.
تسكت الحاجة فوزية لثوان وتستكمل وهى تغالب دموعها: «وفى مرة كان جوزى بيتخانق مع أخته، رحت أخلص ما بينهم فراح مسكنى هوه ورمانى بحديدة ضيعت عينى، وودونى ساعتها لدكتور الوحدة، وقال لازم نعمل محضر، ده ضياع عين مش حاجة سهلة، لكن أنا رفضت لأنى كنت مخلفة منه وعيب أعمل محضر ضد أبوالعيال».
وتضيف فوزية عن حياتها التى استكملتها بعين واحدة: «بعد وفاة حماتى جينا القاهرة سنة 1970 علشان جوزى اشتغل بواب فى عمارة فى مصر الجديدة، وكنت اطلع لسادس دور وأنا شايله الأنبوبة على ضهرى علشان 50 قرش، وهو قاعد ما بيعملش حاجة، واشتغلت كل حاجة علشان أساعد فى البيت، عملت فطير، ومخلل، وبليلة، واشتغلت كورشيه وتريكو، وطرزت أطقم سراير وفساتين أفراح، وكسبت قليل وكتير، كنت بابوس النعمة وأحمد ربنا، وكان جوزى بيضربنى علشان عايزة أعلم العيال وأخليهم فى مدارسهم، كنت وقتها خلفت خمسة وكان عايز يطلعهم من التعليم، بس الحمد لله كلهم اتعلموا واتخرجوا من الجامعة .
وتكشف الحاجة فوزية عن كتفها الذى تعيش به «مخلوعاً» فتحكى قصته قائلة: رمانى مرة من على السلم من الدور التانى وكتفى من ساعتها أتخلع من مكانه».
وبابتسامة رضا وفرحة بانتصار الذات على مشاق الحياة، تقول فوزية التى تنتج بعين واحدة عشرات القطع الجميلة من التريكو: «أنا حافظة يابنتى، حافظة مكان الغرزة لكن مش شايفة ده عمرى 67 سنة، يعنى حتى لو فيا عينيا الاثنين سلام النظر كان هايضعف، أنا باشتغل فى الأسر المنتجة من 17 سنة، كنت بشتغل بالإنتاج لكن بقى لى قبض شهرى علشان بنتج اكتر من اللى بيطلبوه، بس نفسى أستريح أنا كبرت ومحتاجة أستريح، وعندى ميه على الركبة، وهو عنده جلطة فى القلب، وبأقول يارب أنت بتسامح خلينى أسامح، مش قادرة أسامحه أبدا على اللى شفته فى حياتى، ولا قادرة انسى اللى شفته أنا وأمى وأخواتى واحنا ولاد أصول وعيلة وحسب».. ثم تاخذ نفسا محاولة تهدئة نفسها متسائلة: حد يصدق حكايتى دى؟ أنا نفسى مش مصدقة اللى حصل لى وأنا أبويا عمده ابن عمدة.
وفى نقلة مفاجئة تقول: «أنا خدت صورة لأبو تريكة من الجرنال ورسمتها على ورق جرايد وحطيتها على العلم وشغلتها له بالتطريز، وخدها واحد منى وقال هايوصلها له، أمانه عليكوا تقولوا له إنى بحبه وخلوه يودينى عمرة، دى أمنية حياتى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة