كشفت مها عبدالغفار ابنة المستشار الراحل عبدالغفار محمد -قاضى قضية الجهاد الكبرى التى ضمت 302 متهم من كبار قيادات الجماعة الإسلامية- فى حوار معها لـ«اليوم السابع» تفاصيل الحياة الخاصة لوالدها القاضى الشهير والدوافع التى جعلته يطلب فى وصيته بخط يده إجراء الكشف الطبى عليه واستخراج تقرير بالوفاة، وكذلك أسباب إعلانه لهم تسليم جميع أوراقه إلى مباحث أمن الدولة، نظرا لما فيها من ألغام تتعلق بقضايا كبرى قام بالفصل فيها، وتحدثت عن الطريقة التى وصفتها بالمهينة لنجل قاض شهير، إثر القبض على شقيقها محمد والدوافع وراء ذلك، وروت قصة الحريق الذى شب فى حجرة المستشار وهو مريض وكيف نجا منه ولم يمسسه سوء.. وتفاصيل أخرى تتعلق بالرجل الذى نعاه من حكم عليهم بالسجن المؤبد، اعترافاً منهم بمهنيته ونزاهته وحسن إدارته فى القضايا التى أشرف عليها فى الحوار التالى:
> ما السر وراء اقتحام مباحث أمن الدولة منزل المستشار الراحل؟ وهل هناك أشياء كان يخفيها تستحق هذا الاقتحام؟
- والدى حقق فى مجموعة من القضايا السياسية والجنائية الهامة منذ الستينيات ثم السبعينيات والثمانينيات وعلى رأسها التحقيق مع مجموعة المشير عبدالحكيم عامر، وقضية سرقة خزينة جمال عبدالناصر وقضيتا شمس بدران وزير الحربية الأسبق وصلاح نصر رئيس المخابرات العامة الأسبق، وحكم فى قضية الجهاد الكبرى، والتى ظلت تنظر 22 شهرا خلال جلسات امتدت لساعات طويلة، وكلها ملفات تحتوى على معلومات هامة بشأن هذه القضايا التى حقق وحكم فيها، فضلاً عن احتوائها أيضا على ملاحظاته الشخصية التى أبداها على التحقيقات وتعليقاته التى كتبها فى هوامش الأوراق.
> وهل أى من إفراد الأسرة على علم بتلك المعلومات الهامة داخل الأوراق؟
- لا.
> إذن وكيف تم اعتقال شقيقك محمد ومصادرة مذكرات والدك؟
- فى أول أيام عيد الأضحى فوجئنا بقوة أمنية تابعة لمباحث أمن الدولة تقتحم المنزل، وقامت بالدخول إلى جميع الغرف بالمنزل، ودخلوا مكتبه وجمعوا كل ما به من أوراق وملفات ومذكرات ومجلدات قانونية ثم قاموا بتفتيش باقى غرفة والدى ومكتبه، وبعد انتهائهم من جمع الأوراق أخذوا شقيقى المهندس محمد معهم، واصطحبوه بشكل مهين إلى مقر أمن الدولة.
> ماذا فعلتم بعد القبض عليه؟
- كنا خائفين جداً على محمد لأنه يعانى من أمراض مزمنة ويحتاج لرعاية طبية، لأنه لم يكن قد خرج من الأزمة النفسية التى وقع فيها بعد وفاة والدى، وكان قريبا جداً من والدى، فكان يقوم على رعايته وتلبية طلباته فى السنوات الأخيرة وخاصة بعد ضعف نظر والدى، وبداية خطواتنا نحو الإفراج عنه كانت إرسال تلغرافات لرئيس الجمهورية والنائب العام ووزير العدل فى منتصف ليل أول أيام عيد الأضحى، فضلاً عن اتصالنا بالمستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة والذى أكد لنا أن محمد سيخرج فى خلال ساعات، لكننا انتظرنا كثيراً ولم يخرج، مما زاد القلق والخوف.
> هل أوصى المستشار عبدالغفار بأى وصية قبل وفاته بشأن أوراق التحقيقات وملفات القضايا؟
- نعم، أوصى بإرسالها إلى المسئولين بجهاز أمن الدولة عقب الوفاة لأنها تحتوى على معلومات هامة بشأن كل القضايا التى حقق فيها ومنها حيثيات قضية الجهاد الكبرى والمتهم فيها 302 متهم من كبار قادة الجماعات الإسلامية.
> ولماذا أوصى المستشار عبدالغفار بإرسالها إلى أمن الدولة؟
- استكمالاً لمسيرة الأمانة التى كان ينتهجها طوال حياته فهو كقاض لا يحب إفشاء أى إسرار بشأن التحقيقات التى باشرها وحكم فيها، إضافة إلى خوفه الشديد على شقيقى محمد وتأكده بأن محمد لا يستطيع الحفاظ على تلك المعلومات وأن وجودها فى شقته سيسبب له مشاكل.
> أليس غريباً أن يوصى بخط يده بضرورة إجراء الكشف الطبى عليه واستخراج تقرير بالوفاة؟
- كان يريد أن نطمئن بتحديد حال الوفاة لخوفه من وقوع الوفاة بطريقة غير طبيعية.
> وهل كان المستشار يخشى شيئاً؟
- والدى نظر عددا من القضايا الهامة والمتعلقة بملفات حساسة فقد كان لديه الحرص الشديد لارتباط تلك القضايا بملفات شائكة مع الجماعات الإسلامية والجهات الأمنية فى وقت واحد، وشملت مذكراته العديد من كواليس وأسرار حياته والتى انتهى من تدوينها فى مذكراته أوائل عام 2005 وبعدها كتب وصيته.
> هل اطلع أحد من أفراد الأسرة على تلك المذكرات؟
- لا، والدى رفض أن يطلع عليها أى من أفراد الأسرة، حتى أننى لم أعلم عنها إلا بعد الوفاة.
> ما نوعية الأسئلة التى وجهت لشقيقك محمد؟
- سألوه عن علاقته بوالده وإن كان قد قرأ مذكراته أم لا، وكذلك الأحاديث التى كانت تدور بينهما، وهل قص له الراحل أى شىء عن قضايا الجهاد أو أدلى له بمعلومات عن كواليس التحقيقات فى القضايا الشهيرة التى حقق فيها وحياته الشخصية وهل حاول والدى نشر المذكرات أم لا.
> وكيف تم الإفراج عنه؟
- بعد 4 أيام من اعتقال محمد اتصلنا بأحد الضباط بجهاز أمن الدولة وأخبرناهم أن هناك 6 ملفات أخرى خاصة بالمستشار عبدالغفار موجودة بالشقة فجاءوا مساء تلك الليلة بقوة أمنية وحصلوا على تلك الملفات، وبعد ظهر اليوم التالى وتحديداً الثلاثاء 1 ديسمبر تلقينا اتصال من المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة يخبرنا بالتوجه إلى مقر مباحث جهاز أمن الدولة بلاظوغلى لاستلام محمد.
> كان قد أثير فى الفترة الأخيرة أن حريقا نشب بغرفة المستشار عبدالغفار قبل وفاته، فما حقيقة ذلك الحريق؟
- والدى أصيب فى آخر حياته بسرطان فى الرئة اليمنى أدى إلى ضيق فى التنفس وكحة مستمرة، ودفع الأطباء لتركيب جهاز أوكسجين على أنفه، وفى شهر أكتوبر الماضى، قام والدى برمى عقب سيجارة انتهى من تدخينها على الأرض، بجوار جهاز الأكسجين وفى أقل من دقائق نشبت النيران فى الغرفة بأكملها، ووالدى نائم على السرير يصرخ بأعلى صوته على حفيدته «صفاء» ابنة شقيقى محمد والتى أصيبت بحالة «هستريا» بمجرد رؤية النيران فأخذت تصرخ بأعلى صوتها لينقذ الموقف بواب العمارة الذى نجح فى حمل جهاز الأوكسجين ووضعه فى «البانيو» وأطفأ النيران التى كانت قد تصاعدت لدرجة خروجها من حدود الغرفة، الغريب أن النيران لم تقترب من والدى على الرغم من عدم تحركه من على السرير الذى يقع فى منتصف الغرفة، فوالدى لم يصبه أى مكروه.
> وما دلالة ذلك؟
- والدى «اتحط وسط نار الدنيا ما اتحرقش، فماذا تتوقع له فى النهاية»، والدى دائما ما كان يقول لى إنه يعمل لآخرته وليس لدنياه وهو ما ظهر فى رحمة ربنا معاه، وأنا حاليا أخلد ذكراه على طريقتى، حيث إننى صنعت له بروازا وجمعت فيه نعى رئيس الجمهورية ورئيسى مجلس الشعب والشورى وبعضا من صوره النادرة.
> هل حصل المستشار عبدالغفار محمد على التقدير اللائق به من الدولة؟
- لا، لم يحصل على شىء، فلا أوسمة أو نياشين خلال تاريخه الطويل فى النيابة والمحاكم، وحتى بعد خروجه على المعاش، الشىء الوحيد الذى حصل عليه عبارة عن صورة للملك فاروق موقع عليها «إهداء إلى عبدالغفار محمد أفندى» وكانت بمناسبة تقلده المنصب الأول على كلية الحقوق بجامعة الملك فؤاد الأول فى عام 1949.
> وبماذا تفسرين ذلك؟
- لا شىء سوى عدم التقدير لتاريخه المهنى الطويل الذى قضاه محققا فى أشهر الملفات الشائكة فى مراحل مصر العصيبة وقاضياً فى أصعب القضايا السياسية ومؤسسا للمكتب الفنى للنائب العام، والأغرب أن أول عيد يمر علينا بعد وفاته تقوم مباحث أمن الدولة باقتحام منزلنا، فهل رجل بقدر والدى، خدم البلد كثيراً يكون رد الجميل من الدولة بعد وفاته اعتقال ابنه «محمد» وتكسير درجات السلم المؤدية إلى الشقة..
> ما أغرب الأشياء فى حياة المستشار عبدالغفار؟
- هناك ثلاث مفارقات فى حياة والدى، أولها أنه كان الصديق الوفى لرفعت المحجوب طيلة سنوات طويلة وفى الوقت ذاته وقف مدافعاً عن المتهمين بقتله عقب اغتياله، والمفارقة الثانية عندما انتهى من الفصل فى قضية الجهاد الكبرى، قام العشرات ممن حكم عليهم عقب خروجهم من السجون بزيارته وعلى رأسهم ناجح إبراهيم وكرم زهدى برفقة محاميهم يوسف صقر وسعد حسب الله.
والمفارقة الثالثة كانت أثناء نظره لقضية الجهاد الكبرى حيث نظم حفل شاى فى منزل الأسرة لراهبات قديس قلب يسوع المصرية اللاتى أشرفن على تعليم إخوتى البنات وهن الراهبات مار مارى جورجيت ومار بريجيت ومارى روز، كنوع من التقدير لهن.
> وما حدود علاقته مع الراهبات؟
- والدى كان دائم الزيارة لهن وإرسال التهانى فى أعيادهن وآخرها فى عيد القيامة المجيد 2008 حيث أرسل لهن رسالة المعهد لهم نصها «كل عام وأنتم طيبين وبالمحبة معروفين ولعطائكم شاكرين وبسماع أصواتكم مهللين يحفظكم لنا ياراهبات قلب اليسوع.. أمين يارب العالمين».
> هل كان أى من أفراد الأسرة يناقش المستشار فى أى قضية ينظرها؟
- لا يجرؤ أى شخص مهما كانت درجة قرابته من والدى وحبه له على مناقشته فى أى قضية، لأنه يعتبر عمله شيئا مقدسا لا يجب أن يفصح عن أى معلومات فيه.
> وما أصعب اللحظات التى مرت عليكم بعد وفاة والدك وحتى الآن؟
- أصعب لحظة كانت صعبة على والدتى بعد معرفتها بالوفاة، حيث دخلت غرفة والدى ووجدت صورة زواجهما التى مر عليها 59 عاماً أعلى السرير الذى ينام عليه، فأخذت تبكى بكاء شديدا لفترة طويلة.