"ركز يا ابنى أنت سايق لتخبط حد أو تعمل حدثة".. قالها ثم استدار.. خير أنت واقف هنا ليه ومكشر.. نظرت له فى حيرة ولسان حالى يقول "وأنت مالك".. لكن تملكت أعصابى وقلت أحافظ على هدوئى هو وأخلى انفعالى للمظاهرة وكمان هو ملوش ذنب.. وقبل أن انطق بادرنى تعالى اقعد بدل الوقفة على عربيات الناس.. تعالى جنبى.. قالها بصوت يملأه الدفئ.. جلست بجواره.. سألنى أنت زعلان؟.. قلت نعم.. قال من إيه؟.. قلت أنت مش عايش ف الدنيا إحنا انضربنا فى السودان من الجزائريين.. لملم جلبابه المتدلى ورفع قدميه وتربع على المقعد الطويل الذى جلسنا عليه.. وتنهد قائلاً.. كمل وبعدين.. استفزنى شعوره غير المبالى فزاد انفعالى.. إحنا اتهنا يا أستاذ ولازم ناخد حقنا لازم نوريهم إحنا مين.. سألنى فى برود.. هو إحنا مين؟.. قلت له بغضب إحنا المصريين.. ابتسم الرجل ابتسامة ساخرة أظهرت صفار أسنانه التى علاها الجير.. ثم اتكأ وقال والمفروض نعمل إيه.. قلت يا عمنا حقناااا.. قال من مين؟.. بصياح قلت الجزائريين.
حينها اعتدل ونادى على ولده وقال قول لأمك اتنين شاى.. نظر إلىَّ بائساً وأخرج من جيبه صورة وقبلها وتعمد ألا يرينى أيها ثم قال الجزائريين العرب ضربونا إحنا العرب فى السودان بلد العرب.. وسألنى لماذا تشعرنى أنت وأمثالك أننا نضرب للمرة الأولى وكأن من أضن علينا برغيف العيش هم الجزائريين.. وأنهم من أوقعوا صخرة الدويقة وأشعلوا النيران فى مجلس الشعب ومسرح بنى سويف وألقوا المبيدات المسرطنة على المزروعات وأشربونا مياه المجارى وأطعمونا قمح البهائم وهربوا أصحاب الدم الفاسد وأقرضوا الضباع مال الجياع وأذلوا الفلاح.. قاطعته بإشارة بيدى كى لا يسكت عن الكلام فقد أتى ابنه بالشاى.. حطه هنا يا بنى وادخل ذاكر.. أكمل يا أستاذ ولا اكتفيت.. لم يسمع منى رد فأكمل.. هل الجزائريين سبب العشوائيات كى نثور عليهم؟.. هل هم من اهدروا أحلام الشباب فخرجوا على وجوههم شاربين ماء البحر هربنا.. هل هم من أهدروا مالك فى فن رخيص و رياضة فقيرة و مشاريع بائسة.. هل هم من أغرقوا الناس فى رشيد أم هم من اغرقوهم فى العبارة وأضاعوا حقهم بعد الممات.. حينها نزلت دمعة خفية سلكت شق بارز فى وجهه الملئ بالتجاعيد ثم اخرج الصورة مرة أخرى وحضنها.. فبادرته.. صورة مين دى.. قال دى صورة ابنى الكبير اللى سافر وهاجر وغرق وحتى مخدتش عزاه.. دى صورة ابنى "صابر".. وبصوت لا يكاد يسمع سألته هو مات إزاى.. قال متهكماً الجزائريين غرقوا العبارة بتعته وهربوا.. تعرف تقولى آخد بتارى من مين.. ثم فجأة لمعت أضواء سيارة فاخرة تبعد عنا أمتار قليلة نهض الرجل من ثباته ونفض دموعه وقال "تعالى.. تعالى.. يمينك.. تمام بس كده" خرج منها رجل قوى البنية فخم الملبس قابض بفمه على سيجار غليظ وألقى "بجنيه" معدنى إلى الرجل وقال له عم "الشحات" عيزها بكره مراية.. نظر الرجل إلى مبتسماً وألقى "الجنيه" المعدنى تجاهى.. حاولت أمسكه مرة ثم مرة إلى أن سقط فى كوب المياه غارقاً فتعكرت المياه.. نادانى عم "الشحات" وقال حلال عليك الميه واللى فيها.. ومتنساش وأنت فى المظاهرة بتاعة الجزائر تقولهم يترحموا على المواطن "صابر الشحات".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة