ليس غريبا أن يرى د.يوسف زيدان عشرات الآلاف من الشهداء المسيحيين الذين هم أبناء الإيمان المستقيم بمثل هذه الرؤية غير المنصفة التى يدركها كثير من الأهداف القاتمة الهادفة إلى اتهام المسيحيين بالعنف، واتهام الشهداء بغياب الهدف وتخلى أعمدة الكنيسة آنذاك عن الهدف نفسه دافعين الشباب إلى الموت بلا مبرر وفى ذلك ردود كثيرة.
وبدون دراسة كعادته راح يكيل الاتهامات ويوظف المواقف فى غير موضعها مقودا بأحلامه الواهمة فى القضاء على تاريخنا المقدس وسير شهدائنا المشرفة والاستهانة بالدماء الذكية التى سالت من أجل الحق ولا أدرى ما الذى يغيظه فى المسيحية وأبنائها؟ ولماذا يشغل باله بأمور لا يمكن تفريغها من جوهرها الملىء بالحق؟ فهى راسخة فى جسم التاريخ لا يستطيع أى مزيف على تغيرها، وأننى هنا لا يفوتنى تهنئته على السطور الماكرة التى تسير وراء أثار الحيات المتعرجة التى أعنى بها أفكاره لتختبئ فى النهاية فى جحور من الجهل تاركةً آثارا من الزيف تمحوها الريح المقدسة التى تحركها أقدام القديسين لينتهى بأفكاره وسطوره المظلمة داخل ظلمات التاريخ لينتج فى النهاية تذكارا سيئا لشخص أساء إلى التاريخ، وأننى هنا أعنى بتلك السطور مقدرته العجيبة فى محاولاته إقناعنا أنه ليس ضد أى دين كما قال، فسطر تلك السطور لتوضيح الجهاد المغلوط فى كل الأديان، إلا أننا لم نرى إلا انتقادا للمسيحية فقط، وأننى أنتهز هذه الفرصة لأعلن أنه ليس ضد أى دين بعينه، بل هو ضد جميع الأديان.
وبدايةً ففى كلامه عن حروب اليهود فى العهد القديم أرى أنه قد جانبه الصواب فيما قدمه، فقد اتهم اله اليهود الذى هو إله إبراهيم بالدموية وقيادة الحرب، وأننى هنا لست بصدد الدفاع عن يهود اليوم فموقفنا فى تلك القضية ثابت ومعلن، بل إن موقف الكنيسة القبطية فى رفضها للتطبيع مع إسرائيل وفى رفض الممارسات اليهودية ضد الفلسطينيين هو أمر لا يحتاج إلى مزايدة، بل ربما يكون هو الموقف الوحيد الذى لم يشوبه تغير.
ولكن بشىء من الإنصاف وجب التوضيح أن الحروب الواردة فى العهد القديم لم تكن حروباً من أجل الهيمنة الدينية، ولا من أجل تهويد الأمم، ولا فرض الشرائع الإلهية، ولم يكن هناك اختيار فى هذه الحرب بين التهويد والقتل، بل كانت حروبا من أجل الأرض التى وعد الله بها اليهود فى ذلك الوقت، وقد سمح الله بها بعد أن فُرضت عليهم لتواجد الشعوب الوثنية فى تلك الأرض، والدليل على أن تلك الحرب لم تكن اختياراً ولا توجيهاً إلهياً، فقد ظهر فى أجوائها معاهدات الصلح والتعايش السلمى، فمثلما تعايش إبراهيم قديما مع بنى حث فى سلام، هكذا تعاهد يشوع بن نون مع أهل جبعون (يشوع9)، وكثيرا من معاهدات الصلح الواردة فى التاريخ الكتابى، والخلاصة، فقد دعا الله إبراهيم من أور الكلدانيين فى جنوب العراق ووعده ونسله بهذه الأرض، ثم وصل الأمر إلى نزول نسله إلى مصر فى أرض جاسان، إلى أن أرجعهم الله مرة أخرى إلى أرض كنعان، فهل ينكر زيدان مجىء إبراهيم من جنوب العراق وهل ينكر نقل الشعب من أرض جاسان فى مصر إلى أرض كنعان؟ المهم فقد أعطاهم الله هذه الأرض لحمايتهم من الأمم الوثنية المحيطة بهم، وكانت الحروب التى مارسوها من أجل هذا الغرض، وكان ملكهم للأرض ملكاً مؤقتا إلى أن يأتى المسيح المخلص برسالة الخلاص للعالم كله، ويتمم الفداء وينقل شريعة الناموس اليهودى وهى شريعة الجسد، إلى شريعة العهد الجديد وهى شريعة المحبة، وبذلك لا ينقض الناموس إنما يكمله كما قال (سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم.باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.) مت44,43:5 ، وقال ( ما جئت لأنقض بل لأكمل)، وبناموس المحبة هذا أصبح هناك أمر إلهى بتوقف تلك الحروب، فبمجىء السيد المسيح انتهت سيطرة ناموس الجسد وامتلاك الأرض، فبعد أن كان اليهود هم شعب الله المختار، تم رفضهم لعدم إيمانهم وأصبح كل من يؤمن برسالة السيد المسيح هو من شعب الله، لذلك إذا آمن اليهود بالسيد المسيح ورسالته، فلهم فى ذلك كرامة خاصة من أجل انتمائهم لإبراهيم ومن أجل الآباء، أما عدم إيمانهم الآن فقد نزع عنهم كرامتهم ورفع عنهم صفة امتلاك الأرض.
وغريباً أن يشرح الدكتور زيدان فكرة الجهاد فى المسيحية ولم يشرح الجهاد الإسلامى، ويلخص الجهاد الإسلامى فقط فى جهاد النفس، ولسنا بصدد شرح هذا الجهاد، بل نتركه لمعلمى الدين الإسلامى ومفسريه ليردوا هم على د.زيدان، وخاصة فيما يخص هذا الجهاد من حيث المبادئ ومن حيث التاريخ، ونريد أن نعرف ماهية هذا الجهاد فى التوقيت الذى صور فيه زيدان المسيحية كداعية للحرب، والجميل فى النهاية أن الله رفض الشعب اليهودى وكانت دمويتهم من ضمن أسباب هذا الرفض، عندما قال (حين تبسطون أيديكم أستر عينى عنكم وأن كثّرتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دماً) أشعياء15:1 ، وبهذا يتأكد أن الله يرفض العنف ويكره الحرب.
ثم نعبر إلى اتهام جديد للأناجيل الأربعة التى فيها وصايا السيد المسيح وتوظيف الآيات فى غير موضعها وتفسيرها تفسيراً خاطئاً للمتاجرة بأفكار خاطئة، لدرجة أن زيدان انتقد آيات للسيد المسيح وجعلها الكاتب دعوة للعنف، فالسيد المسيح له المجد هو الوجيه فى الدنيا والآخرة، وهو الغلام الزكى، وهو ملك السلام، وهو رب التسامح، وهو الذى قال عنه الكتاب المقدس وديعا ومتواضعا، وهو أيضا الذى قيل عنه (لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته) مت 19:12، وكان يُشتم ولا يشتم عوضاً، وبالجملة هو (الله محبة)، فالسيد المسيح الذى صنع سوطاً لم يكن سوطه لطرد الناس، ولكنه كان للماشية التى كانت تملأ الهيكل، واكتفى بطرد الباعة من المكان المقدس المخصص للصلاة، ولم يكن فى ثورة عارمة كما ادعى زيدان، بل كان يتحدث كتابياً حينما قال "مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" مت 13:21، وكما ورد فى إنجيل معلمنا يوحنا فقد استخدم السوط لطرد الماشية (صنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم ) يو15:2 ثم يكمل معلمنا يوحنا فيقول (وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من هاهنا لا تجعلوا بيت أبى بيت حجارة) يو15:2، فقد استخدم الحوار مع الباعة كما هو واضح واستخدم السوط مع البهائم، وكان سوطاً من الحبال لقيادة هذه الماشية إلى خارج الهيكل، وحينما لعن شجرة التين اكتفى بلعنها بالكلمة ولم يمسك فأساً ولم يشعل ناراً، وكانت شجرة التين ترمز إلى الأمة اليهودية عديمة الثمر التى رُفضت من أجل عدم إثمارها لفضائل إلهية، ولاكتفائها بسطحية المظهر، وكان لعن التينة رمزاً لرفض الأمة اليهودية التى رفضت الخلاص، ومن المعروف تفسيريا أن الأمة اليهودية يرمز لها بشجرة التين، والغريب أن زيدان تغافل الجزء المعجزى فى القصة، وهو هيمنة المسيح الإله على الطبيعة وسلطانه على المخلوق، ووظف القصة فى غير موضعها.
وعن آية (ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً) التى ملأ زيدان أذاننا بعكس ما تحمله الآية من معانى، فقد كان الوثنى الذى يؤمن بالسيد المسيح مُعرض للقتل من أسرته غير المؤمنة، وكذلك الأخت أو الابنة أو الزوجة أو أى فرد من الأسرة الذى يؤمن فى بيت وثنى أو يهودى، فبمجىء السيد المسيح والإيمان به تعرض كثير من المؤمنين للاستشهاد بسبب الإيمان به، وكان استشهادهم على أيدى آبائهم أو أسرهم، فكان السيف مُسلط على رقاب المسيحيين وكان كلام السيد المسيح فى الآية السابقة، تجهيز لنفوس المؤمنين به للاستشهاد فى حالة الإيمان به فى العصور الأولى، ولماذا نذهب بعيداً هل ينكر زيدان دعاوى القتل الموجهة ضد الذين يؤمنون بالمسيح فى هذه الأيام، وعلى من يجاهر بإيمانه وجب عليه التصدى لدعوى الردة بما فيها من قتل.
فالمسيح هو سلامنا، وهو ملك السلام، وهو الذى رفض استخدام السيف حينما أشهره بطرس فى البستان، وقطع به أذن عبد رئيس الكهنة وقال لبطرس (رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون) متى 52:26، وصنع معجزة وأعاد أذن العبد سليمة مكانها، ووصايا السيد المسيح عن المحبة والسلام لا حصر لها التى وصلت إلى محبة الأعداء ومسالمة الكل، فهو الذى قال (أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم، صلوا لأجل الذين يسيؤن إليكم ويطردونكم)، ثم جاء تعليم الرسل فيما بعد هكذا (إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس) رو 12 : 18، ومن هذا السياق لابد أن يعرف زيدان أن التغنى بفكرة الحروب الصليبية وتأصيلها لمراجع دينية، هى فكرة مسمومة مردود عليها، فالكنيسة على مستواها الرسمى رفضت هذه التسمية، فهى لا تعد إلا حروباً استعمارية غرضها استعمار الأرض باسم الدين، وهو أمر مرفوض مسيحياً، ولا شك أن قداسة البابا شنودة الثالث وهو رأس الكنيسة القبطية ومعلمها، قد رفض هذه التسمية فهو دائما ما يقول إنها حروب الفرنجة وليست الحروب الصليبية، وأن شخص ما قديماً أو حديثاً مازال متشبثاً بهذه التسمية، فالأمر لا يحسب إلا رأياً شخصياً بعيد عن الرؤية الإنجيلية والتعاليم المسيحية.
وعجيب جداً أن يستهين زيدان بالتاريخ القبطى المجيد ويتجرأ بتحليلاته الظالمة غير المنصفة لمواقف مئات الآلاف من الشهداء الأقباط فى كل العصور الماضية منذ دخول المسيحية إلى مصر وإلى هذا اليوم، فالذاكرة القبطية مليئة بقصص بطولات مارستها الدماء الزكية لهؤلاء الشهداء، وكانوا لا يملكون فى مواجهة سيوف الظلم وقضبان السجون إلا لسان من الحق وأفواه من الحكمة، قادها الروح القدس لتجاوب عن كل الأسئلة الموجهة إلى إيمانهم السليم، فاستطاعوا بها أن يقبروا أباطرة الظلم ودعاة الشرك فى مقبرة التاريخ، بعد أن صنعوا بدمائهم جسوراً من الكرامة وقنطرة من الحق يعبر من خلالها إيمانهم إلينا، محفوظاً فى دمائهم الزكية.
ومن الاستهانة أن يلغى دور الآباء الأول فى قيادة هؤلاء الشهداء، مدعياً هروبهم بعد أن دفعوا الشهداء الشباب إلى ساحات الاستشهاد دون أن يأتى بمستند أو حجة تاريخية، ما إلا عناوين خاوية من المضمون عمن هرب أربعين عاماً، وربما يقصد البابا أثناسيوس العشرين الذى نفى أربع مرات عن كرسيه من غير إرادته، وفى الخامسة نزل إلى صعيد مصر لتثبيت المؤمنين، والبابا بنيامين الـ 38 الذى نزل إلى صعيد مصر ثم رجع بعد ذلك لتثبيت أبنائه فى تلك المرحلة الجديدة التى هيمن فيها الوافدون الجدد.
وبداية فالمسيح هو رأس الشهداء، وهو الذى قبل أن يدعوا المؤمنين للاستشهاد على اسمه قدم هو نفسه فداءً عن البشرية، وأصبح عميد الشهداء من أجل الحق، ثم قام منتصراً من بين الأموات ليقبل بكل الرضى دماء الشهداء الزكية المقدمة على مذبح الحب، ولعل من أهم البطولات التى مارسها آباؤا تلك القصص البطولية فى حياة التلاميذ الأول الذين استشهدوا جميعا ما عدا القديس يوحنا الحبيب الذى تنيح فى شيخوخته، تلك الملحمة الجميلة التى قدمها القديس مرقس الرسول باستشهاده فى شوارع الإسكندرية، وروى بدمائه تراب تلك الأرض الطيبة، ناقلاً تلك الدعوة المقدسة إلى من بعده من القديسين، ففى قصة استشهاد البابا بطرس خاتم الشهداء ما أروع ما عرضه على الجنود باقتياده بعيداً عن الشعب لينفذ فيه حكم الإعدام ليحمى بدمائه أبنائه المجتمعين من أجله، ثم نعبر إلى تلك الأمهات اللائى كن على رأس أسرهن وأبنائهن، فى السعى بفرح إلى ساحات الاستشهاد، فلا ننسى أبداً تلك الشهيدة العظيمة دميانه ابنة الوالى مرقص والى البرلس والزعفران التى كانت على رأس أربعين راهبة عذراء قادتهن جميعا إلى السياف، وكانت فى مقدمتهن بعد أن استشهد أبوها الوالى من أجل الإيمان، ولا يفوتنا استشهاد مدينة إسنا بالكامل وفى مقدمتهم أسقفهم الشهيد الأنبا أمونيوس، لقد كانوا يعشقون الموت من أجل الحق لأنه بوابة الحياة، ولقد ألقى القديس أغناطيوس الأنطاكى للأسود الجائعة وقال لشعبه الذى حاول منعه، إن محبتكم تسبب لى ضرراً دعونى أطحن بين أسنان الوحوش لأكون حنطة مقدمة للمسيح إلهى.
لقد فتح زيدان من جديد جروحا غائرة صنعها أجداده العرب، وعالجها الأقباط بالتسامح وقبول الآخر، ثم جاء هو من جديد ليضغط على تلك الجروح الغائرة الدفينة فى داخل الجسد القبطى، ليُسمع من جديد تأوهات الأقباط وصرخات الألم التى يصنعها اضطهاد الآخر، مدعياً أنه لم تكن هناك مذابح ضد المسيحين فى العصر العربى، ونسى أو تناسى شهادته هو فى كتاب (كلمات) أن الأقباط اضطروا لبيع أطفالهم ليدفعوا الجزية الباهظة التى فرضها عليهم المسلمون ص37،36، ونسى اندثار الآلاف من الأديرة القبطية التى انتهت إلى ذكريات بين الصفحات وأطلال من الماضى، لقد نسى أو تناسى، الهجوم الشرس على العمارة المسيحية والكنائس القديمة وبالطبع ما صاحب ذلك من سفك للدماء، والسؤال الآن الذى يقبل ببيع الأطفال من أجل المال، ألا يقبل بذبح آبائهم من أجل الحصول على ممتلكاتهم؟ إن التاريخ لا يكذب ولا يجامل فلنسأل ذلك التاريخ عن تلك الوقائع وننتظر ما يفرزه التاريخ وعندها أرجو أن لا يسبب ذلك حرجاً لأحد.
لقد ظل الأقباط فى وطنهم وفٌرض عليهم التعامل مع الوافدين أياً كانوا سواء أكانوا من بيزنطة أو من العرب أو من غيرهم، وفى كل مرحلة كانت عيون الأقباط تشخص إلى ملكهم السماوى لم يسعوا أبدا لملكاً ارضياً، وكانت قضيتهم فى كل هذه الأزمنة قضية إيمانهم، والحفاظ على مقدساتهم، فلم يقتصر دفاعهم عن الإيمان فى مرحلة معينة، بل ظلوا إلى هذا اليوم فى موقع المدافع، لم يهاجموا أحداً ولم يستعدوا فكراً ولم ينشروا إيمانهم إلا بالكلمة، ولم يروجوا له إلا بالسيرة الطاهرة، فرأى الناس إيمانهم فمجدوا الله الذى فى السماء، ورغم ارتباط الأقباط بالفكر السمائى، إلا أن الوطن ظل بالنسبة لهم هو الدفء الذى يحمى وجودهم والبيت الذى يحوى إيمانهم ولاسيما تلك الأرض المباركة التى جُعلت مذبحا للرب، بعد أن باركتها الأقدام المباركة للعائلة المقدسة فجاءت مقولة القلب التى رواها المصرى العظيم والوطنى الرائع قداسة البابا شنودة الثالث، حينما قال (إن مصر ليست وطن نعيش فيه إنما وطن يعيش فينا) الأمر الذى جعل زيدان يتحفظ على تلك المقولة الوطنية التى استقرت فى قلوب المصريين مسلمين ومسيحيين، وبالطبع تحفظه (زيدان) نابع من أن مصر بالنسبة له مجرد سكن للإقامة، فهو وشأنه فى علاقته بمصر وليترك لنا عشقنا بها وارتباطنا بترابها.
إن التهجم على الخطاب القبطى وقلب الحقائق وإلغاء صفة الشهادة عن أبناء الكنيسة، وصفة القداسة عن قديسيها، هو أمر مرفوض لن نقبله ولن نصمت حياله، ففى التوقيت الذى لا نعلق فيه على منح لقب الشهادة لمن وقعت بهم طائرة ومن غرقت بهم عبارة ومن مات فى حريق، واحترامنا لأفكار الغير فى هذا الشأن، لذا نرفض الاستهانة بدماء الأقباط.
وأنى أتعجب لصمت المحترمين إيذاء هذه الهجمة الشرسة على مقدسات المسيحية، فى التوقيت الذى يقف فيه الرأى العام ولا يقعد إيذاء الهجوم على لاعب كرة أو فنان ما أو شخصية مشهورة، مع احترامنا للجميع وانضمامنا للدفاع عن كل الثوابت وانحيازنا لحقوق الإنسان واحترام الآخر، ولكن، أليس بالحرى أن يأخذ المجتمع موقفا ضد الزيف وتغيير التاريخ وقذف الرموز واتهام الأديان بالعنف والاستهانة بالمقدسات واستضعاف الآخر، ومحاولة إلغائه والقضاء على هويته، لماذا لا تكون حربنا واحدة موجهه إلى مكان واحد وموجهة إلى دعاة الإلحاد، ومروجى الشرك وناشرى الفساد وقاتلى الفضيلة ومحبى العرى ؟.
لقد وضع زيدان نفسه فى مأزق حينما استعدى دماء الشهداء واستهان بها، وحينما وقف ضد بطولاتهم التى يفخر بها التاريخ، فحربه أصبحت مع أرواحهم التى تملا أجواء الكنيسة والوطن، وأظن أنها لن تكون متكافئة تلك الحرب التى هزم فيها الشهداء دقلديانوس بالكلمة، ليأتى زيدان ليمحوها بقلمه الذى سوف تقصفه سيرهم، وتمحو آثاره دماءهم الذكية، فحينما صرخ فى مقاله السابق ليرحمه الله أظن أن صراخه سيستمر إلى أن يعتذر، وصراخنا سيدوم إلى أن يزول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة