محمد سامى الشاهد يكتب.. النفوذ الإيرانى فى شرق أفريقيا

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009 06:16 م
محمد سامى الشاهد يكتب.. النفوذ الإيرانى فى شرق أفريقيا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الحادى والعشرين من شهر أكتوبر الماضى عقد فى القاهرة مؤتمراً على جانب كبير من الأهمية تحت عنوان "التحركات الإيرانية فى شرق أفريقيا والقرن الأفريقى وانعكاساتها على الأمن الإقليمى والاستقرار فى المنطقة". شارك فى المؤتمر عدد من باحثى مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بالأهرام، وغيرهم من المهتمين بالشأن الأفريقى وعلاقاته بأمن مصر القومى. وفى هدوء شديد عقد المؤتمر جلساته ثم انفض دون ضجة إعلامية، على الرغم من أهمية المحاور التى جرى تناولها ولاسيما فى الفترة الراهنة التى تشهد تصعيداً فى ملف العلاقات الإيرانية الغربية وأثر هذا التصعيد على العلاقات المصرية الأفريقية والعلاقات المصرية الإيرانية. ترك المؤتمر، كالعادة مع كل ما هو جاد وثمين، على هامش الاهتمام الإعلامى فيما خصص وسط الساحة وجل المساحة سواء فى الصحافة أو فى البرامج الحوارية لأمور أخرى، مثل مباريات كرة القدم بين مصر والجزائر وتبعاتها التى يبدو أنها ستكون وقوداً رخيصاً لماكينة الفضائيات لفترة طويلة قادمة.

المهم، والملفت للنظر أن المؤتمر خلص، ضمن أمور أخرى، إلى أهمية النظر بجدية أكثر لتنامى النفوذ الإيرانى فى دول بعينها مثل كينيا وأوغندا وإيرتريا، فعلى الرغم من وجود علاقات قوية بين كل من كينيا وأوغندا مع دول أخرى تناصب إيران العداء علانية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، ودول أخرى تكتفى بالاختلاف دون إظهار العداء بشكل علنى مثل مصر، إلا أن إيران متمثلة فى عدد من الشركات والمؤسسات الحكومية نجحت فى تأمين موطئ قدم لها فى هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للعالم العربى ولاسيما مصر والسودان. وحتى هنا قد لا يبدو فى الأمر شىء وقد لا يكون هناك تعارض بين المصالح الإيرانية وتلك المصرية على سبيل المثال، حيث يمكن تفسير هذه التحركات فى إطار التعاون الدولى أو البحث عن فرص لكسر العزلة المفروضة على النظام الإيرانى. لكن يصبح الأمر ملفتا للنظر حين تضاف إلى الصورة مجموعة من التعقيدات مثل العلاقات الإيرانية الإريترية، وما تتناقله وسائل الإعلام والنشرات الاستخباراتية عن وجود معسكر واحد على الأقل لتدريب الحوثيين بالقرب من مدينة اسمها "قندع" فى وسط إرتريا وما تواتر من أنباء عن والدور الإرتيرى فى الحرب الضروس الدائرة رحاها فى اليمن بين جماعات التمرد الحوثى منذ ما يزيد على الأربعة أشهر والذى اتخذت بامتياز شكل الصراع الإقليمى المسلح حين دخلت فيه القوات المسلحة السعودية وفى ظل السعى المستمر للحوثيين للوصول إلى ساحل البحر الأحمر لتأمين الاتصال المباشر مع إرتريا من خلال ميناء ميدى على البحر الأحمر وهو المرفأ الأقرب إلى البر الإرتيرى، ثم العرض الإيرانى بالاستثمار فى هذا الميناء على وجه التحديد. وتتضاعف أهمية التحرك الإيرانى فى القرن الأفريقى حين نعرف التغير الأيدولوجى السريع الذى شهده الفكر الحوثى والمتمثل فى الابتعاد السريع والمفاجئ عن مبادئ الشيعية الزيدية بعد طول اعتناق لها، إلى الشيعية الأثنى عشرية وهى المذهب الرسمى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهذا التغير الذى حدث فى فترة لا تتجاوز السبع سنوات يمكن أن يكون فى حد ذاته دليلاً آخر على وجود أجندة ثابتة لتحقيق أهداف بعينها.

وإذا أضفنا إلى الصورة تلك التحركات الأكثر علانية إلى الشمال الشرقى للمملكة العربية السعودية أى فى العراق، ثم التأثير الإيرانى على صناعة القرار والخطاب السياسى السورى، الذى بات يتناقض بشكل واضح مع ثوابت المصالح السعودية والمصرية. ثم العلاقة الأبوية بين إيران وحزب الله فى لبنان، ثم محاولة اختراق العمق المصرى حتى ولو بحجة دعم المقاومة الفلسطينية واحتضان حماس ثم الضغط عليها لتمرير أو تعطيل موقف ما هنا وآخر هناك لأصبحنا بصدد مجموعة من القرائن التى ترتقى للأسف إلى مرتبة الأدلة التى تؤكد وجود مخطط يرمى إلى تقويض المنظومة الإقليمية خدمة لأهداف إيديولوجية محضة أو تصفية لحسابات تاريخية ذات إقرانات سلبية فى الوجدان الشيعى.

ربما أستطيع أن أتفهم وأقدر وربما أحترم إصرار إيران على امتلاك قدرات نووية واستعداد الحكومة الإيرانية لبذل كل ما يتطلبه الأمر من تضحيات للوصول إلى هدفها المحدد بدقة، مهما بلغ حجم الفاتورة التى يتعين سدادها، وربما أتفهم أيضاً مناصبتها العداء لإسرائيل باعتبارها مع الولايات المتحدة العدو الأول للثورة الإسلامية. لكن الذى لا أفهمه ولا أستطيع أن أقلبه إذا ما فهمته، هو السعى الإيرانى الحثيث لتطويق دول مثل مصر فى العمق الأفريقى، ثم العمل على مناكفة المملكة العربية السعودية عند حدودها الجنوبية.

وأخيراً أزعم أن القيادة السياسية المصرية ليست بغافلة عن التحركات الإيرانية والإسرائيلية فى عمق مصر الأفريقى، فالزيارات التى قام عدد من كبار المسئولين المصرين ومنهم الوزيرة فايزة أبو النجا، والوفود التجارية التى لا تزال تتقاطر على دول مثل إثيوبيا وأوغندا وكينيا والمشاريع التنموية التى يعلن عنها كل يوم بدعم من الحكومة المصرية، ونفض الغبار عن الدعم الفنى والتقنى الذى اعتادت مصر تقديمه إلى أبناء القارة السمراء منذ الستينيات، والحراك الدبلوماسى المصرى ينم عن إدراك لخطورة ما يجرى فى الحياض الخلفية لمصر. ونتمنى أن تتضاعف هذه الجهود وأن تتسم بالاستدامة والاتساع وصولاً إلى الوسط والغرب الأفريقى حتى تستعيد مصر عنفوانها فى القارة السمراء وتسد أى ثغرة يمكن من خلالها تهديد أمنها القومى.

* مدير استقطاب الطلبة فى الجامعة الأمريكية فى الشارقة





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة