يصلح هذا العنوان لمقال رومانسى أو لقصيدة شعرية، على اعتبار أن القمر احتكره فى الماضى رجال الإبداع والأدب ورسموا له صوراً وتصورات ترتبط بالمرأة وسحرها قبل أن يحطم العلماء قلوب العشاق والشعراء بتبديد هذه الصورة واستبدالها بأخرى واقعية قاسية مستمدة من الكشف عن حقيقة وجه القمر وقفاه أيضا.. بل إن الإنسان زرع السماء بعد ذلك بمئات الأقمار المخصصة للاتصالات والإعلام والأمن ونقل البيانات، والقمر الذى أقصده اليوم ينتمى إلى هذا النوع، وهو من تلك الكائنات المعدنية التى تدور فى فضاء الأرض لنقل الاتصالات وبرامج التليفزيون، وأحمد الله أن العرب على غير عاداتهم تنبهوا إلى هذا التطور فى وقت مقبول نسبياً لاستخدام هذه التكنولوجيا وامتلكوا قمرين مشهورين هما "نايل سات"، الذى تديره الحكومة المصرية، و"عرب سات"، الذى تشرف عليه جامعة الدول العربية وتملك الحصة الأكبر فيه المملكة العربية السعودية، وعبر هذين القمرين تطورت الفضائيات العربية وشاهد الجمهور العربى فى منطقتنا وحول المتوسط البرامج والحوارات الهامة كما التافهة، الضارة كما المفيدة "ليس الآن وقت مناقشة هذه القضية"، وتموضعت على ممراتهما التكنولوجية باقات من القنوات الحكومية والخاصة وبدا للوهلة الأولى أن من يدير هذا القطاع لديه المناعة اللازمة للإفلات من لعبة المنع والقمع وإلغاء الآخر، لكن الإشارات التى سجلت فى الأونة الأخيرة تعطى المبرر المنطقى للقلق على مستقبل هذا الهامش الاستثنائى، الذى كنا نخاف عليه من حكوماتنا، لكن الغول جاء من مكان آخر اسمه بلد الحريات والديمقراطية – يا للغرابة - إذ لم نكن نظن يوماً أن بلداً مثل الولايات المتحدة بكل ما يحكى عن تاريخها العريق فى إنتاج ثقافة حرية الرأى ستحمل الهراوات وتلوح بها لتقول لمن يملك هذين القمرين أو لديه حق الوصاية عليهما: ما المسموح وما الممنوع فى عالم التليفزيون ما الحكى المسموح وما الحكى الممنوع فى هذا العالم، الذى أسقطت فيه الاتصالات مفهوم المكان وكل الحدود بالمعنى الجغرافى والسياسى والثقافى، من من القنوات التلفزيونية تبقى ومن منها تتبخر؟..
لقد قرأت بقلق كبير التقرير الذى يتحدث عن تصويت أعضاء الكونجرس الأمريكى على قرار يتهم بعض مالكى الأقمار الصناعية فى الشرق الأوسط بأنهم يشرفون على "منظمات إرهابية" لبثهم قنوات "معادية للولايات المتحدة" والمقصود هنا قمر "نايل سات" وقمر"عرب سات" ومن بين القنوات الفضائية التى اعتبرها المشروع محرضة على العنف قناة "الأقصى" التابعة لحركة حماس الفلسطينية، و"المنار" التابعة لحزب الله اللبنانى، إضافة إلى بعض القنوات العراقية التى يعتقد أنها تؤيد حق العراقيين فى مقاومة الاحتلال الأمريكى للعراق، وبالطبع أرجح أن يجد القائمون على العرب سات والنايل سات فى هذا الدفع الأمريكى المناخ الملائم لتنفيذ "هذه الأوامر".. وبعدها يدخل العمل التليفزيونى العربى فى مرحلة جديدة سمتها الرئيسة حق مالكى الأقمار بالرقابة على مضامين القنوات التليفزيونية برعاية أمريكية لإسقاط كل من تسول له نفسه قول الحقيقة أو كتابة رأى أو وجهة نظر لا ترضى عنها واشنطن "طبعا واشنطن من غيرها التى تتحدث كل ساعة عن ضرورة دمقرطة المنطقة"..
وبالنظر إلى أن مهمة الأقمار الصناعية هى النقل فقط، فإن الولايات المتحدة تريد تغيير وظيفتها وضمها إلى مجموعة أدوات غسيل الأدمغة التى تشرف عليها خدمة لمصالحها ومصالح إسرائيل التى لا تنتج ثقافة الكراهية والتمييز، فحسب بل تمارس وأمام العالم أجمع أبشع أنواعها وجدار الفصل العنصرى على سبيل المثال ما يزال يمتد لفصل البشر عن البشر من غير أن يرف لألهة الديمقراطية فى الكونجرس جفن.. الفضائيات المستهدفة والتى ستطرد من القمرين حتماً هى تلك التى تشرح للمواطن العربى عمل المقاومة وثقافة المقاومة وتبقى له بصيص أمل فى آخر هذا النفق العربى الطويل وستتبعها، كما أعتقد قائمة أخرى تضم قناة الجزيرة القطرية المشاغبة والتليفزيون الجديد الذى تعجب برامجه بشجاعة حسن نصر الله وقنوات رسمية تملكها حكومات وطنية لا تترد فى دعم المقاومة "هل أقصد سورية؟ ..نعم"، ولذلك أقترح أن يتنبه شرفاء الأمة لهذه المخاطر وأن يتأملوا فى معانيها وأن يبادروا إلى إيجاد توليفة بين عدد من دول المنطقة وفى المقدمة سورية وقطر لإطلاق قمر صناعى يحمل القنوات التى ستطرد من نعيم الأقمار الحالية، قمر صناعى للاتصالات وبرامج التليفزيون ونقل البيانات لتنفذ إدارته قرارات الكونجرس وتوصيات واشنطن وإلا فلن نسمع أو نرى بعد الآن إلا من ترضى عنه أمريكا وإسرائيل.. لا أعتقد أن ذلك مستحيل.. اليوم قبل الغد لابد من قمر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة