عين الحكومة عسلى!

ما حدث فى عزبة الهجانة شرق مدينة نصر يستحق التوقف والتأمل، فالحكومة ممثلة فى محافظة القاهرة أظهرت العين الحمراء وقررت إزالة 150 عمارة مخالفة، بنيت بدون تراخيص ولم تراع اشتراطات البناء المعمول بها، يعنى فى النهاية نحن أمام مخالفة للقانون تم التعامل معها بالقانون، الذى ينص على إزالة أى مبنى مخالف.

لكن الغريب والعجيب فى هذه القضية أن أحدث مبنى مطلوب هدمه تم بناؤه قبل عشر سنوات على الأقل والبعض يعود إلى 15 عاما، يعنى هذه المنطقة تشهد عملية بناء بالمخالفة للقانون طوال خمسة عشر عاما، دون أن يتحرك أحد من المحافظة أو غيرها لمنع البناء وتركوا الناس يكملوا عمارات شاهقة ويبيعون شققها، ويسكنها آلاف الأسر ثم أفاقت المحافظة وقررت تنفيذ القانون.

أنا شخصيا احترم القانون، وأشدد على ضرورة احترامه، لأن أحد أبرز مشاكل هذا الوطن وسبب الفوضى التى نعيشها هو غياب القانون أو تغييبه من قبل الكبار والصغار على السواء، لكن من حقنا أن نتساءل لماذا ينام القانون 15 عاما فى أدراج المحافظة ثم يستيقظ فجأة ليتحول إلى كارثة؟

فى الهجانة حمرت المحافظة كل عيونها، واستعانت بقوات الأمن لهدم المبانى المخالفة، فتصدى الناس لقوات الأمن وقذفوها بالحجارة واشتبكوا معها، مما أدى إلى إصابة 15 رجل أمن وانسحاب قوات الشرطة وتدخل نائب المنطقة فى مجلس الشعب معلنا تأجيل قرار الإزالة إلى أجل غير مسمى، وهكذا اختفت العين الحمراء فجأة كما ظهرت، وعاد القاون إلى الدرج مرة أخرى.

هذا الموقف فى مجمله يعطى العديد من الإشارات السلبية، فالمحافظة لا تنفذ القانون من البداية بمعنى أنها لم تتدخل لحظة وضع الأساسات الأولى للعمارات المخالفة، وتركت الناس لعدة سنوات يعتدون على قانون البناء ويشيدون مبانى مخالفة، وبالمناسبة معظم عمارات ومساكن مصر مبنية بالمخالفة للقانون، ثم وبعد أن استقر الناس أفاقت المحافظة وقررت تنفيذ القانون فجأة دون مراعاة للحالة الاجتماعية للسكان المطلوب طردهم فى الشارع فورا.

تراجع المحافظة عن إزالة العمارات المخالفة بعد تصدى الأهالى بالقوة لها يعطى رسالة مهمة إلى جميع المواطنيبن مفادها أن يتجمع الناس للدفاع عن حقوقهم بالقوة، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، خاصة أن أهالى عزبة الهجانة منحونا نموذجا أن القوة فى مواجهة الدولة تثنيها عن تنفيذ القانون!!!!

وقد اعتدنا منذ سنوات انتشار العشوائيات والبناء على الأراضى الزراعية، ثم يصدر قرار كل خمس سنوات وتحديدا قبل انتخابات مجلس الشعب بتوصيل المياه والكهرباء للعشوائيات والتعديات، ولأن هذا السلوك مستمر فى مصر منذ سنوات وأصبح مثل العادة التى لا تقطعها الحكومة أبدا، فقد أصبحت مصر أكبر بلد عشوائى فى العالم، وأكثر بلد فى العالم يسن قوانين لا تحترمها الحكومة ولا ينفذها الناس.

زمان قال الراحل الممثل الكوميدى الرائع فؤاد المهندس القانون "مفيهوش" زينب، ويجب علينا فى عام 2009 إضافة مصطلح جديد إلى الذاكرة الشعبية وهو "القانون مفيهوش قانون" وألف سلامة على عين الحكومة.. التى كانت حمراء!