بادئ ذى بدء... أتمنى ألا تذهب الظنون بكم بعيداً لأننى اخترت أن أكتب فى البرادعى تحديداً وما يلاقيه هذه الأيام من حملة شعواء تشنها عليه وسائل الإعلام المصرى الرسمى، فيعتقد البعض الكرام من القراء بأننى ربما قد صرت مديراً للحملة الخاصة بترشيح الدكتور محمد البرادعى (المدير العام السابق للوكالة الدولة للطاقة الذرية)!!، ومع اعتزازى الشديد واحترامى للدكتور البرادعى فإن كل معرفتى به إنما تنحصر تحديداً بما سمعت وقرأت عنه فى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة حين كان فى منصبه السابق، غير أن اهتمامى به قد ازداد أكثر أثر الهجمة الشرسة التى طالت شخصه بعدما (تجرأ وفكـّر ورأى!!) بأن يترشح لانتخابات رئاسة مصر القادمة!!، وبذا فإن شخصه لا يعنينى (إن فاز هو أو فاز غيره) بقدر ما يعنينى من الأمر كله الموقف المتناقض والغريب والمخجل للإعلام الرسمى المصرى حيال الدكتور البرادعى قبل عزمه الترشح وبعدها!!
ما هى إلا لحظات فاصلة تلت إعلان الرجل عن نيته الترشح للرئاسة المصرية حتى تبدل المشهد المحيط به تماماً، حيث أثيرت الزوابع والأعاصير، وانتقل الرجل من وجهة نظر الإعلام المصرى الرسمى من خانة الوطنية والابن البار لمصر (حين كان بمنصبه السابق وحتى دقيقة سبقت إعلانه الترشح للرئاسة المصرية) إلى خانة الخيانة والتآمر على مصر ومستقبلها السياسى، وأنه يعمل وفق أجندة أمريكية وحاملاً لجنسيتين وغيرها من الاتهامات والأوصاف!!.
بالأمس القريب، وتحديداً حين كان الرجل فى منصبه السابق، كانت صحف مصر الرسمية قد دأبت وتهافتت على نقل أخبار تحركات الرجل وتنقلاته واجتماعاته، كما وراحت تسبغ عليه أوصاف التبجيل والتقدير والإعجاب بما ينجزه لمصر وللعالم أجمع، فأطلقت عليه من الألقاب ما لا يُعد ولا يُحصى، ولم ينس ذاك الإعلام أن يعزو نجاح البرادعى فى عمله السابق إلى حنكة وحكمة القيادة المصرية التى رشحته لهذا المنصب الرفيع، هذا كما ونال الرجل نصيبه من التبجيل والإطراء على لسان الرئيس مبارك ذاته فى احتفالية خاصة أقيمت لتكريم الدكتور البرادعى عام 2005 أثر نيله جائزة نوبل للسلام مناصفة، حيث وصفه الرئيس مبارك بـ(الابن البار لمصر) وأنه (نبتة طيبة من أرضها الطاهرة) وأنه (قد رفع شأن مصر عالياً بجهوده واقتداره وتفانيه بعمله)!!
أما اليوم... وما أن أرسل الدكتور البرادعى بيانه إلى وسائل الإعلام (الرسمية) المصرية يعلن فيه عن استعداده للترشح لرئاسة الجمهورية ومبيناً فى ذاك البيان شروطه الخمسة لذاك الترشح حتى انقلبت صورة الرجل تماماً فصار يُرى بعين غير العين التى رأته أيامذاك فوصفته بأحلى الأوصاف وأرقاهاً، حيث تعرض لحملة إعلامية شعواء (منظمة) من قبل نفس الصحافة المصرية التى طالما تغنت بأمجاده المهنية وما حققه لمصر والعرب من سمعة طيبة!!، فما الذى قاله البرادعى حتى يعيد إعلام مصر النظر بما أنجزه وحققه!!؟، وما الذى اقترفه الرجل من خطأ حتى تنقلب صورته من وطنى وابن بار لمصر لينال بعدها مباشرة شتى الأوصاف والعبارات التهكمية والتجريحية !!؟
وجواباً على ذينك التساؤلين أقول، بأن الرجل ما كانت ستتغير صورته المشرقة والرائعة تلك لولا أنه:
1. قد (تجرأ ففكر ثم قرر!!) بأن يجرب حظه ويمارس حقه فى أن يلج من باب الترشيح لينال كرسى الرئاسة المصرية القادمة!!.
2. رجل غير عادى بالمرة وذو مواصفات قل نظيرها ويحمل تجربة دولية غنية تغنيه كثيراً عن عناء الشهرة والانتشار بين أوساط الشعب المصرى، فهو ذو ثقل دولى محترم جاء لينافس على كرسى الرئاسة المصرية التى كانت حكراً لأكثر من ربع قرن للسيد الرئيس مبارك!!.
3. قد (تجرأ) فطالب بأن يتم تغيير السياسة الانتخابية الدارجة والمفروضة واقترح بأن ترافق الانتخابات القادمة شروط خمسة هى: إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة تنظم العملية الانتخابية، إشراف قضائى كامل على الانتخابات، وجود مراقبين دوليين من الأمم المتحدة، فتح باب الترشيح أمام جميع المصريين، تنقية الجداول الانتخابية.
ذاك والله باختصار شديد ما (اقترفه) الدكتور البرادعى (من ذنب !!) حين طالب بأن تكون انتخابات الرئاسة القادمة حرة ونزيهة، وأن يتاح لكل مواطن مصرى فرصة الترشح للرئاسة، مما سبب الضيق والحرج لقادة الحزب الوطنى الحاكم فأوعزوا للصحافة الرسمية المصرية التى تسير بركابهم كى يشنوا حملتهم ضد الرجل والتى تراوحت بين:
1. محسوبيته لأمريكا وتسهيله احتلال العراق عام 2003!!.
2. أنه يحمل ضغينة لمصر (متناسين تماماً ما قاله الرئيس مبارك بحقه عام 2005 من أنه ابن مصر البار!!).
3. أنه يريد تغيير الدستور وتفصيل بنوده على هواه ورغبته، فتذرعوا بأن (( لم يعد أمامنا وقت لتعديل الدستور)) حسبما جاء على لسان أحد مسئولى الحزب الوطنى!!!.
4. أنه حامل لجنسيتين أحدهما المصرية، وذاك أمر نفاه البرادعى جملة وتفصيلاً فى لقاء صحفى مع جريدة الشروق المصرية مؤكداً أنه لا يحمل غير الجنسية المصرية!!.
سبحان الله فى قادة الإعلام المصرى الرسمى، كل ذلك يجرى الآن للبرادعى فيما تناسى هؤلاء جميعاً أنهم كانوا قد تسابقوا عام 2005 على تهنئته إثر حصوله على جائزة نوبل للسلام حيث كتبوا فى الرجل الكثير من مقالات التبجيل والإطراء!!، والأغرب من كل هذا وذاك، أن كل ذلك يجرى للرجل وهو جالس فى بيته و(لم يقرر بعد!!) إن كان سيرشح نفسه للرئاسة فعلاً أم لا!!، ومادامت الحملة شعواء هكذا وهو لم يقرر بعد، فما الذى سيقال عنه وبأى وصف سيوصف إذا ما قرر فعلاً دخول سباق الرئاسة لينافس مرشح الحزب الوطنى الحاكم سواءً إن كان السيد الرئيس مبارك أو ابنه جمال!!؟.
سماك العبوشى يكتب.. ذنب (البرادعى) أنه رشح نفسه للرئاسة!!!
الأربعاء، 16 ديسمبر 2009 06:15 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة