قد لا يعرف أحد من هو المهندس طارق عامر. ولذا فإنى أعرفكم به:
هو مهندس مصرى مُكافح، ناصرى الهوى، وكان يصدق ما يقوله الإخوان المسلمين الذين يتلاعبون بالدين، ذهب للعمل فى الخليج. وهو أحد الناس التى كانت تختلف معى بشدة على مقالاتى هنا فى جريدة اليوم السابع. وقد كانت تعليقاته شديدة اللهجة، رغم حفاظه دوماً على أن تكون محترمة. وأنا وبمنتهى الصراحة، كنت أتأفف بعض الوقت من تعليقاته، رغم أنى كنت أبادله الاحترام. وكنت أرى أن فى كثير من الأحيان أن الأرضية فى مصر، لن تنصلح إلا بعد قرون وليس سنوات، فإذا بالمهندس طارق عامر يثبت لى أن الكتابة يُمكنها أن تُغير الناس عندما يتعرضون لأزمة تجعلهم يعيدون النظر فيما كانوا يؤمنون به، ويروا الحق ويحسنوا اتباعه.
لقد كانت المفاجأة بعد الأزمة الأخيرة، عندما أعاد المهندس طارق عامر تفكيره بعمق، وأثبت لنفسه قبل أى شخص آخر، أنه يعشق تراب هذا الوطن، ويعشق المصريين وليس مُستعداً للتنازل عن شبر من كرامة وطننا الغالى بحق. لقد ترك المهندس طارق عامر وهو المصرى الأصيل المغترب، الكثير من "الأغانى" التى يتغنى بها من يدعى أنه من "العُقلاء"!! لقد رأى ومن معه من مصريين مغتربين، ما يُمكن أن تتعرض له مصر من موبقات من "بعض" العرب، ممن يسىء لمصر والمصريين، عندما تتعرض أرض الكنانة لأزمة على الصعيد العربى. لقد أدرك أن مصر وصحيح الدين فوق كل شىء، وأن من يتلاعب بفكر "عروبى" الهوى أو بالدين نفسه، ليسوا إلا متلاعبين بمصالح مصر لحساب أشياء أُخرى تماماً.
لقد تعرض المهندس طارق عامر للإساءة من بعض العرب من أبناء جاليات غير خليجية، وقد ظن أنهم أشقاء، وهو الناصرى الهوى، فلم يتزعزع إيمانه بعبد الناصر، ولكن بمن تلاعب بفكر عبد الناصر ممن صور أن عبد الناصر كان بامكانه التخلى عن كرامة المصريون فى الخارج أو الداخل! لقد رأى الصورة الحقيقية للإخوان المسلمين، عندما صوروا للناس، أن الدين يُمكن أن يسمح بهتك الكرامة فى سبيل الإخوة، وهو أمر غاية فى الغباء!
تحية إلى المهندس طارق عامر، تحية إلى ابن بلدى، الذى أثبت لى إمكانية الكتابة والتغيير بها، لأنه تحول فى فكره كثيراً عندما رأى الحق. ولا أُمانع فى الاختلاف معه على الإطلاق، ولكن بناءً على العقل وليس بناءً على التمسك بالمواقف وفقط. لقد كنت على يقين من أن اليوم الذى ستتغير فيه أفكار من أكتُب إليهم قادم. ولكن أن يتغير شخص بأسلوب رائع كهذا، كان بالنسبة لى فرحة كبيرة. لم يكن الأمر نصرا، لأنه لم توجد حرب من الأصل، ولكن كان الأمر منفعة لمصر، التى يجب أن نُفكر من أجلها جميعاً، كى نُغيرها للأفضل.
وما أن تغير فكر المهندس طارق عامر، حتى إنقلب عليه من كانوا يؤيدونه هنا، ممن إذا كتبت لهم مقال واحد، عنوانه "لا إله إلا الله محمداً رسول الله" لكفرونى، لأنهم يحاربون الشخص وليس الفكر، وهم ناقدون ثابتين، لا أُعير لهم الكثير من الاهتمام. إنهم يهاجمون الآن المهندس طارق عامر، لأنه يفكر فى مصلحة بلاده. فهم ممن يقولون "طز فى مصر" ويفضلون حاكم ماليزى لها، وأتمنى لو أن الدولة صدرتهم إلى ماليزيا، لأنهم لا يدركون كيف تُحكم ماليزيا. ولو أنهم ذهبوا إلى هناك وتكلموا كما يتكلمون هنا، لقُبض عليهم بتهمة التطرف واحتجزوا فى المعتقلات، ولكنهم يظنون أن ماليزيا هى البلاد المقدسة، ولا يعرفون أن ماليزيا تمتاز بديمقراطية وحرية أكثر بكثير من هنا وأن دستورها يحض على احترام كل الأعراق، وهم هنا الشتامون للأقباط والبهائيين واليهود!! إنهم ما زالوا يحييون فى العصور الوسطى أو قل فى العصر الحجرى، ويفضلون إقامة محاكم التفتيش حتى للمسلمين من معتنقى نفس دينهم!
إن تحول المهندس طارق عامر إلى التفكير المستنير، وهو المسلم المخلص، ولكنه يحترم الآخر الآن وبشدة، لهزيمة شديدة القسوة لهؤلاء المتصورين أنهم سيحولون مصر إلى دولة يحكمها المشايخ الذين لا يفهمون شىء فى السياسة كما ظهر مؤخراً وبوضوح. لقد وقف الإخوان المسلمون مع من سُموا "بالعقلاء" مجازاً، بينما كان المصريون المغتربين عن أرض الوطن يُهانون بكلمات جارحة، حول مصر وتاريخها المشرف فى الحرب والسلام! ووقف الإخوان، مؤيدون "الاعتداء على المصريين" فى خارج الوطن. وقف الإخوان مؤيدين مع من أُطلق عليهم "العقلاء"، لإهانة المصرى فى الخارج، لصالح "الكُره" الذى ظهر بجلاء فى السودان وقد ظهر قبلها بسنوات فى فى مؤتمر الصمود والتصدى فى عام 1979، عندما تزعمت الجزائر مقاطعة مصر، لأنها "نجحت" فى استعادة الأرض، وليس لأن السادات زار القدس! أى أن المقاطعة كانت بسبب نجاح السادات فى استعادة أرض مصر وليس لأنه فقط زار القدس كما قالوا!
والجزائر أيها السيدات والسادة، هى التى نشرت عنها قناة الجزيرة خبراً باستضافتها قاعدة أمريكية مؤخراً!! ولا أعرف ما هى تلك الاتهامات التى كانت تتهمنا بها الجزائر إن كانت تملك قاعدة أمريكية فوق أراضيها، بينما لا نملك نحن مثل تلك القواعد المشبوهة!! كما أن الخبر يُظهر أن جزيرة قطر تُبرأ حكومة الدوحة، مما تقترفه ليل نهار من تعاون مع كل أعداء مصر!!! هل أضحك على غباء الإخوان المسلمين الذين يريدون أن يسوقوا لنا "الأخوة" الزائفة؟؟؟ لا! لن أضحك عليهم، فقد مللت الضحك عليهم لغبائهم الفج منذ زمن وحتى من محاولاتهم المستمينة لمغازلة إدارة أوباما لإقامة دولتهم المهينة للمصريين كما يظهر من أفعالهم! وبدلاً من أن أضحك عليهم، على أن أفخر بعودة أبناء مصر إلى قبل مصر، ممثلينها فى الخارج بشرف وحب وفداء! على أن أفخر بالمهندس طارق عامر الذى رأى الحقيقة، وأعترف بها اعتراف الأبطال! لقد ذرفت عيناى فرحاً بما قاله ويقوله فى سبيل مصر اليوم! ولا يهمنى إن كانت الكلاب تبيع مصر فى أسواق النخاسة، لأن الإخوان باعوا مصر من قبل كثيراً ولما لم يعد لهم لزوماً، بيعوا بأرخص الأثمان.. بل بلا ثمن، والحمد لله الذى جعلنا نشهد اليوم الذى يقول فيه الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودى والنائب الثانى للملك عبد الله بن عبد العزيز، عن الإخوان العبارة التالية فى عام 2002:
"إن الإخوان هم أصل البلاء"
إننى أفخر بتغير مواطن مصرى، رأى الحق واتبعه لما أملاه عليه قلبه من أجل رفعته ورفعة مواطنيه وضد التيارات الفكرية المتطرفة التى تريد إهانة المصريين من أجل الوصول إلى كرسى الحكم وفقط! لو أن التغيير فى مصر يمضى بطيئاً، فإنه يحدث بلا جدال! وأصبح المصريون يقتربون من بعضهم بعضا بنظرة عقلانية تعى أهمية وحدتهم بعيداً عن اختلاف الأديان والأيديولوجيات. فالمهندس طارق عامر ناصرى الهوى وأنا ساداتى الهوى، ولكننا اقتربنا أكثر لبعضنا بعضا فى الأزمة الأخيرة. لقد دافع هو عن رؤية الرئيس السادات فى التعليقات على مقالى الأخير، لأنه لم ير قائدا، ولكن رأى فعلا للوقوف إلى جانب مصالح مصر والمصريين. لقد رأى الحق ولم يتوقف ويتجمد قلبه وعقله عند نقاط لا معنى له، لأن النظرية قالت هكذا.. ولأننا أعلم بشئون دنيانا!
تحية إلى المهندس المصرى طارق عامر وإلى كل طارق عامر فى مصر.. إلى كل من يحذوا حذوه فى رؤية الحق لصالح الوطن! إلى كل من يرى السياسة فى صالح البلاد بغض النظر عن الحاكم أو النظام! لكل من يحكم عقله فيما يخص مصر ومصلحتها ولا يتوقف عند الفرعيات! تحية إلى كل شجاع، لديه القدرة على أن يخرج علينا ويقول إنه أخطأ لأن الرجوع عن الخطأ فضيلة وشجاعة لا يقدر عليها ولا يستطيع القيام بها إلا الرجال بحق! تحية إلى المهندس طارق عامر الذى أثبت إمكانية التغيير، لأن التغيير لا يتأتى إلا عندما نستطيع الاعتراف بأننا أخطأنا وأننا قادرون على أن نُصحح مواقفنا لصالح رفعة بلادنا!
وكما كتبت فى نهاية مقالى السابق: إن كان من دعا إلى "الصُلح المُهين" مع الجزائر يتصفون "بالعقلاء"، وقد ظهر خبر تلك القاعدة الأمريكية فى الجزائر على قناة الجزيرة القطرية، وما زالت الصحافة الجزائرية الرسمية تسُب المصريين، مبادرات "العقلاء"، فإننى مع صلح يحفظ لمصر والمصريون فى الداخل والخارج كرامتهم (وليس حرباً كما يتقول على المغرضين، ممن يفسرون الكلمات على هواهم)، وأؤكد مقولة الرئيس مبارك: "كرامة المصريين من كرامة مصر"!!!
وملحوظتى الأخيرة مرة أُخرى: المجانين بيشجعوا مصر، وأنا معاهم!