ضياء رشوان ومكرم محمد أحمد، مع حفظ الألقاب للأستاذين، كلاهما من أبناء المؤسسات الحكومية.. فما الذى جعل أحدهما يصنف أنه مرشح الحكومة والآخر مرشح المعارضة.. ما الذى جعل بعض القيادات الصحفية تشن حملة دعم مسعورة لصالح مكرم ضد ضياء تصل فى بعض الأحيان إلى الإدعاء بأن هناك أوامر عليا بدعم مكرم وعقوبات رادعة ضد من يضبط متلبساً بجريمة تأييد ضياء.
المشكلة أن الله ابتلانا وابتلى مصر وابتلى الصحافة وابتلى الحكومة نفسها بقيادات تجعل معيار الولاء أو المعارضة ضيقاً كثقب إبرة، وهو أن نقول "آآآآآآآآآآآمين" فى كل موقف وفى كل قضية.. أن نتحول إلى قطيع من الكلاب المسعورة تنهش لحم من يقولون لنا "بسك عليه" ونطبل بنفس الإيقاع عندما يشير المايسترو بعصاه ويحين موعد التطبيل.. رغم أن أى واحد يفهم فى الموسيقى يعلم أن الصوت الواحد إذا تكرر فى نفس الوقت يتحول إلى ضجيج يصم الآذان ولا يمتعها، بينما جمال الموسيقى يحتاج إلى نغمات مختلفة ومتباينة المهم أن تكون فى هارمونى واحد، وإلا صارت نشاذاً ..
وفى الصحافة وبنفس المنطق تصبح الصحف الحكومية شديدة الضعف والتسطيح والفجاجة عندما تردد مثل الطبل الأجوف نفس الكلام بنفس التعبيرات.. الحملة الحنجورية الساذجة التى تم شنها على البرادعى، لأنه تجرأ وتحدث عن ترشيح نفسه للرئاسة، تعتبر نموذجاً عملياً وطازجاً لهذا الضجيج السطحى الفارغ.. فقد تبارت مقالات القيادات فى ذم البرادعى بطريقة تثير التقزز من تلفيق اتهامات عبيطة بازدواج الجنسية أو البحث عن الشهرة أو إنه كان الأخير فى دفعته.. يعنى كلام فى "الهجايص"!!.. وحتى أكون أميناً أستثنى مقال الدكتور عبد المنعم سعيد فى صحيفة الأهرام من جوقة الطبل الأجوف فى ذم البرادعى.. قدم الدكتور سعيد فى المقال نموذجاً مهذباً ومحترماً فى الاختلاف مع خطاب البرادعى، صحيح إنه انتهى إلى نفس النتيجة الحكومية فى تفنيد مطالب البرادعى من أجل ترشيح نفسه، ولكنه فندها بطريقة موضوعية حفظت الاحترام للجميع.. للحكومة وللبرادعى وللقارئ أيضاً.. وهو ما يثبت أن الصحفى ممكن أن يكون حكومياً ومحترماً فى نفس الوقت..
مشكلة القيادات الصحفية والحكومية التى حولت معركة (مكرم – ضياء) إلى معركتها الشخصية.. أنها جردت الصحافة الحكومية من أقوى أسلحتها المهنية.. فقد كان أهم ما يميز منظومة الصحافة الحكومية أنها تضم مساحة واسعة من الأطياف المتباينة والتيارات المختلفة، ولكنها تستطيع أن تصهرها جميعاً فى قالب رصين محترم يبقى على التباين والاختلاف دون أن يصل ذلك إلى الخلاف.. كانت أرضية الحكومة رحبة تتسع لسلامة أحمد سلامة وفهمى هويدى، كما تتسع لسمير رجب ومرسى عطا الله.. أرضية الحكومة كانت من السعة بحيث كان تليفزيونها الرسمى يتحمل صوتاً (حكومياً) فى جرأة "رئيس التحرير" حمدى قنديل قبل أن تتكاثر المعاول على قلمه الرصاص.. اليوم يتم شيئاً فشيئاً تحويل المنظومة إلى لون واحد باهت وصوت واحد أجوف ونوع واحد ردئ.. "أن تكون صحفياً حكومياً يجب أن تنطق بلسان لجنة السياسات وأن تطبل عند الإشارة وتنبح وقت الصفارة".. هذا المفهوم الصارخ فى التصنيف أرفضه وأتحداه ومعى جيل واسع من الصحفيين (الحكوميين) الذين يعتقدون أن الحكومة بتاعتنا كلنا.. فهى ملك من يؤيدها ومن يعارضها أيضاً.. والرئيس مبارك رئيسنا كلنا.. رئيس من قالوا له نعم ومن يقولون له لا.. والأهرام والأخبار والجمهورية وروزاليوسف هى بيوتنا التى تربينا فيها وقامت مدارسها الصحفية على تباين أصواتنا وتلون أقلامنا.
مع كامل احترامى لأستاذنا الكبير مكرم محمد أحمد الذى منحناه أصواتنا قبل ذلك مراراً.. سنظل نقدر تاريخه النقابى والمهنى النظيف الذى يتبرأ من أنصاف القيادات.. هؤلاء الذين قفزوا على معركته الانتخابية الشريفة فكانوا نقاطاًَ سوداء فى صفحتها.. ولكن سيكون صوت كثير من أبناء جيلى "من الصحفيين الحكوميين" لضياء رشوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة