د.عمرو هاشم ربيع

الوفد والإخوان فى البرلمان.. من يخدم مصر أكثر؟!

الخميس، 10 ديسمبر 2009 08:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
>> نواب الوفد اجتهدوا فى المطالبة بحقوق الأقباط وإطلاق حرية المرأة فى العمل العام ونواب الجماعة قدموا استجوابات وطلبات إحاطة بلا رابط وعملوا على تقييد حرية المرأة
>> الوفد والإخوان فى البرلمان.. تشابه فى الأداء العام واختلاف فى الحقوق والحريات ورفض الأحزاب الدينية

فى صيف العام القادم تنتهى الدورة البرلمانية الخامسة لمجلس الشعب (2009-2010) وينتهى معها الفصل التشريعى التاسع (2005-2010)، عندئذ عادة ما يطرح التساؤل حول حصاد البرلمان، وكثيرًا ما ينظر إلى مراجعة أداء حزب الأغلبية وحده، باعتبار هذا الأداء معبرا تقريبًا عن إنجازات المجلس. لذلك يسير هذا المقال فى اتجاه آخر، ويطرح موقف المعارضة فى هذا البرلمان، مركزًا بالتحديد على موقف قوتين سياسيتين رئيسيتين، هما الوفد والإخوان المسلمين.

وبداية يشار إلى أن هذا المقال ليس فى معرض مقارنة بين أداء الوفد والإخوان، وإلا ستكون النتيجة فى غير صالح حزب الوفد، فالإخوان حصدوا فى انتخابات 2005 ما جملته 88 مقعدًا أصبحت الآن 86 بعد إسقاط العضوية عن نائب ووفاة آخر، وقد شغل هؤلاء مواقعهم تحت لافتة المستقلين، رغم يقين السلطة أنهم منتمون للإخوان، لكنها كالنعامة التى تدفن رأسها فى الرمال. وبالمقابل حصد الوفد فى تلك الانتخابات 6 مقاعد ما زالت قائمة حتى الآن رغم اختلاف من شغل بعضها، إذ فصل أحمد ناصر على خلفية أحداث الحزب عام 2006، واعتزل عبدالعليم داود تمثيل الحزب، وبالمقابل انضم للحزب كل من صابر عطا فى الدورة الرابعة، وطاهر حزين فى الدورة الخامسة (الحالية).

من ناحية أخرى، فإنه عند الحديث عن البرلمان بين الوفد والإخوان نكون بصدد الحديث عن مؤسسة تشريعية ليست غريبة على الطرفين، فالوفد عرف النيابة منذ مولد الحياة النيابية عام 1923، وشارك فى جميع البرلمانات قبل الثورة، وعقب عودته أصبح له فى برلمان 1976 وبرلمان 1979 نواب منتمون إليه. أما جماعة الإخوان المسلمين فلم تكن الجماعة منذ نشأتها مقاطعة للعمل البرلمانى، ففى عام 1938 قال أحد مفكريهم وهو الشيخ محمد أبو زهرة فى حوار نشر فى مجلة «الإخوان المسلمون»، إن الترشيح فى البرلمان واجب لخمسة أسباب هى: حماية الإخوان، ونشر دعوتهم، وتعبير الجماعة عن مواقفها، وجلب الفائدة للحياة النيابية، لأن نواب الجماعة سيكونون ممثلين لفكرهم الدينى إضافة لتمثيلهم لناخبيهم، وعدم التردد على دواوين الحكومة لقضاء الحاجات وترجى الموافقات. وكانت أول علاقة للإخوان بالبرلمان عام 1938، إذ سعى الإمام حسن البنا للمشاركة فى الانتخابات عن دائرة الإسماعيلية، لكنه لم يفلح، وساوم بانسحابه باعتراف الوفد بالجماعة، وإغلاق بيوت الدعارة الرسمية، والسماح بوجود جريدة يومية للإخوان. وفى عام 1941 كرر الإخوان محاولتهم ولم يفوزوا، وبعد الثورة شاركوا كأفراد فى انتخابات 1976 وانتخابات 1979.

إضافة إلى ذلك، فإن العلاقة بين الوفد والإخوان تتسم بالقدم، فهى ضاربة فى تاريخ مصر الحديث منذ نشأة القوتين، وكان الاحتلال والقصر عاملين من العوامل التى تتحكم فى العلاقة بينهما، وكانت السياسة وأحيانًا العنف من أبرز ما شهدته العلاقة بين الطرفين قبل ثورة يوليو 1952. وحديثًا تحالف الوفد مع جماعة الإخوان إبان انتخابات 1984، وحصد 58 مقعدًا منها زهاء 8 مقاعد لجماعة الإخوان، وقد انشق بعض أعضاء الجماعة عن الهيئة البرلمانية للوفد خلال هذه الفصل التشريعى.

وفيما يتعلق بمجلس 2005-2010، والذى كان للوفد به 6 نواب وللإخوان 88، فيمكن تصنيف هؤلاء مهنياً وجغرافيًا. فمهنيًا وبالنسبة للوفد كان هناك 4 نواب من الفئات و2 من العمال، أما نواب الإخوان فكان عدد الفئات 53 وعدد العمال 32 وكان ضمن كتلتهم 3 فلاحين. ومما لا شك فيه أن هذا المؤشر مهم للغاية لأنه ظل مؤثرًا على طبيعة المناقشات فى المجلس من حيث درجة الرقى وتطور مستوى النقاش، وهو أمر يرتبط أيضاً بطبيعة المؤهلات التى يحملها النواب، والتى تشير إلى أن ضمن نواب الوفد 4 نواب من حملة المؤهلات العليا واثنين من المؤهلات المتوسطة، بينما ضمت كتلة الإخوان 63 نائبا حاصلا على مؤهل ما بين عال وفوق عال و12 مؤهلا متوسطا، وواحدا فقط لكل من المؤهلات الأقل من المتوسطة واللامؤهل. وجغرافياً كان أغلب نواب الكتلة من الوجه البحرى يليهم نواب الحضر فالوجه القبلى فالقناة، وكانت الأعداد 41 و21 و19 و7 على الترتيب، بينما كان نواب الوفد 2 للقناة و2 للوجه القبلى و1 لكل من الوجه البحرى والقاهرة، وهذا الأمر رغم أنه مرتبط بظروف الانتخابات بشكل عام، فإنه يشير إلى أن شعبية الإخوان ما زالت تتركز فى الوجه البحرى، بينما هى مركزة فى مدن القناة والوجه القبلى بالنسبة للوفد.

وبالنسبة لمؤشر السن، والذى يتوزع بين الفئات العمرية 30-39 و40-49 و50-59 و60-69 و70-79، فكان بالنسبة إلى نواب الكتلة على النحو التالى 2 و49 و29 و6 و2، بينما كان بالنسبة لنواب الوفد 4 ثم 2 بالنسبة للشريحتين الثانية والثالثة. وهذا البيان يدل على أن معظم نواب الإخوان والوفد هم ما فوق سن الشباب وما دون سن الكبر، وهو أمر يبين إلى أى حد تأثرت به مناقشات نواب الكتلة والوفد، من حيث درجة الانفعالية أو المهادنة.

وفيما يتعلق بعلاقة نواب الإخوان والوفد بمجلس الشعب من الناحية التنظيمية، فالملاحظ أن نواب الوفد لم يترشح منهم أحد فى العديد من مناصب المجلس المنتخبة على كل المستويات، على عكس نواب الكتلة الذين لم يفلحوا سوى مرة واحدة فى نيل مقعد وكيل لجنة الشئون الصحية والبيئة بالدور الأول 2005/2006 والذى احتله الدكتور أكرم الشاعر. وعامة، فإن كل تلك الأمور تشير إلى سعى الحزب الوطنى بهيئته البرلمانية لإقصاء الإخوان من عضوية مكاتب اللجان وعددها 76 عضواً، وتبرز تلك الحقيقة مقارنة بالوفد الذى اختير رئيس هيئته البرلمانية بحكم اللائحة دومًا ضمن أعضاء اللجنة العامة للمجلس، باعتباره رئيس هيئة حزبية، إلى جانب كمال أحمد (ناصرى) عن المستقلين، رغم أن المستقلين داخل المجلس أغلبهم من نواب الكتلة.

وإذا انتقلنا فى هذا السياق إلى الأداء السياسى للنواب، أو ما تسميه لائحة المجلس بالإجراءات السياسية البرلمانية، فيلاحظ أن التعديلات الدستورية تقف على رأس القضايا التى ناقشها نواب الكتلة ونواب الوفد فى المجلس، فبالنسبة إلى شروط انتخاب رئيس الجمهورية الواردة فى (م 76)، طالب الوفد بأن تكون شروط الترشيح للرئاسة خاصة بجدية الترشيح وليست قيدا عليه، وطالب بالإبقاء على شرط نسبة الـ5 % كحد أدنى لتمثيل الحزب فى مجلسى الشعب الشورى للتقدم بمرشح لانتخابات الرئاسة بعد الانتخابات التالية لتعديل 2005، مع منح الأحزاب الحق فى حالة عدم تمكنها من اجتياز هذا الشرط، فى أن ترشح أحد أعضائها إذا حصلت على تزكية 50 ألف ناخب من عشر محافظات على الأقل. وعلى العكس اعتبر الإخوان أنهم المقصودون من هذا التعديل وأن المادة أتت بشروط تعجيزية لمنع المستقلين من الترشح، ونادت بمبدأ عام يتعلق بحق الجميع فى الترشح وفقًا للقانون.

ويعتبر تقييم الإخوان لهذا الموقف صحيحا إلى حد كبير، لأن المادة بنصها قيدت من فرص تزكية من هم من خارج الأحزاب الشرعية كى يصعدوا لمرتبة من سيخوض السباق الانتخابى.

وفيما يتعلق بالصلاحيات الاستثنائية لرئيس الدولة فقد طالب الوفد ونواب الكتلة بإلغاء المادة 74 من الدستور على سبيل المثال. وعلى نفس الخط كانت موافقة الطرفين إبان مناقشة التعديلات الدستورية لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح الوزارة، وهنا يكاد يتطابق موقف نواب الكتلة مع موقف نواب الوفد الداعى إلى العودة إلى الجمهورية البرلمانية.

ولكن عند النظر إلى حظر النشاط الحزبى على أساس دينى (م5 من الدستور) اختلف الطرفان، فبينما كان نواب الوفد أقرب إلى نواب الحزب الوطنى فى هذا الحظر، طالب نواب الكتلة بنشأة الأحزاب بالإخطار فقط، وأن يقوم القانون وحده بتفصيل إجراءات تأسيس الأحزاب، وهو موقف يدل على رفضهم «دسترة» عدم نشأة أحزاب على أسس دينية. وبالنسبة للنظام الانتخابى لم يختلف الطرفان بشأنه، كما لم يختلفا بشأن إقرار مسئولية الحكومة واستقالتها، بل اتفقا على عدم تعليق سحب الثقة من الوزارة على موافقة رئيس الجمهورية أو على الاستفتاء الشعبى.

وأخيرًا رفض نواب الوفد ونواب الكتلة كلية إلغاء دور القضاء فى الإشراف على الانتخابات، وطالبوا بمد هذا الإشراف لكامل العملية الانتخابية، كما رفضوا المساس بمواد الحريات فى الدستور عند مناقشة (م179) الداعية لتقنين قانون لمواجهة الإرهاب. وفى الإجمال رفض نواب الكتلة والوفد التعديلات الدستورية عند التصويت عليها فى مجلس الشعب.

أما عند مناقشة مد حالة الطوارئ فى المجلس، والتى نوقشت مرتين منذ بداية عمل المجلس عام 2005، فقد رفضها نواب الكتلة ونواب الوفد، لكن أسلوب الرفض لم يكن كما كان فى البرلمانات السابقة يأخذ شكل التشنج والضجيج، بل كان أشبة بإعلان موقف واضح ومبرر بشكل هادئ.

وفيما يتصل بالتشريع، فقد ظلت اقتراحات نواب الكتلة بقوانين حبيسة الإدراج، ولم يكن هناك لنواب الوفد إسهام معروف فى هذا الشأن، وحدها ظلت المشاركة من قبل الطرفين فى عملية التشريع من خلال مناقشة مشروعات القوانين التى تأتى بها الحكومة للمجلس هى العمود الرئيس للإسهام التشريعى للطرفين. وهنا كان الطرفان كما هو الحال بين المعارضة ككل متضامنين فى العديد من القضايا التى كانت محط تقنين، فمناقشة قانون منع المنافسة الاحتكارية فى الدورين الثانى والثالث، وقوانين السلطة القضائية والتأمينات والضرائب العقارية ومنع استغلال دور العبادة فى التظاهر ومباشرة الحقوق السياسية وقانون الطفل، لاقت مواقف غير متباعدة بين الطرفين.

وعلى الصعيد الرقابى، فقد كان نواب الوفد ونواب الكتلة مثل باقى النواب فى تسخير أدوات الرقابة لقضايا الخدمات داخل الدوائر الانتخابية، وهو أمر يبدو معروفا فى نظام الانتخاب الفردى، الذى يجعل من النائب ممثلا لدائرته وليس لأمته. وفى التفاصيل، فقد أغرق نواب الكتلة البرلمان بكم هائل من الاستجوابات على عكس نواب الوفد الذين كانت استجواباتهم محدودة، صحيح أن عدد نواب الوفد أقل بكثير من نواب الكتلة، لكن حتى بهذا العدد القليل كانت الاستجوابات محدودة للغاية، وهنا تكفى الإشارة إلى أن رئيس الحزب نفسه لم يقدم سوى استجواب واحد حول بيع بنك القاهرة لم يناقش حتى الآن، فى مواجهة سيل الاستجوابات من نواب الكتلة التى لم تكن بينها ضابط أو رابط، وفقًا للنقد الذاتى الوارد على لسان حسين إبراهيم نائب رئيس كتلة الإخوان فى مجلس الشعب. على أن هذا الأمر لم ينف تعاطف ومساندة نواب الوفد لنواب الكتلة فى العديد من القضايا المثارة خلال الاستجوابات، وذلك فى صورة تقديم أسئلة وطلبات إحاطة بشأنها. وهنا أثار الطرفان قضايا مثل الغلاء والتضخم، والجهاز المصرفى والمالى، والقمح الفاسد، والتعذيب فى السجون، ومشكلات الشباب، ورغيف الخبز، والانتخابات الطلابية، وتصدير الغاز لإسرائيل، واعتداء إسرائيل على غزة، والأزمات الصحية، وقضايا التعليم، وغرق العبارة السلام، وحوادث الطرق ووسائل النقل، ومصنع أجريوم بدمياط.

على أن كل تلك القضايا كان يتم «سلقها» عند النقاش من قبل تصويت الأغلبية الآلية لصالح نواب حكومتهم، ويبدو أن هذا الأمر هو ما كان يدعو نواب الوفد -على حد تعبير محمود أباظة- إلى الحد من تقديم استجوابات معروف مآلها مسبقًا. جدير بالذكر أن محمود أباظة نفسه هو أحد أعضاء اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة العامة، والتى أوكل لها مهمة تقييم الاستجوابات المقدمة قبل مناقشتها. وبطبيعة الحال، فإن نتيجة الاستجوابات المنتهية كلها للانتقال إلى جدول الأعمال، أى كأن شيئاً لم يكن، هى نتيجة يدركها نواب الكتلة جيدًا، لكن يبدو أنهم كانوا يخاطبون من خلال الاستجوابات ناخبيهم خارج البرلمان، كما كانوا يسعون على ما يبدو ليثبتوا من خلالها أنهم أصحاب الصوت العالى ليس فقط بين المعارضة بالمجلس، بل وداخل المجلس برمته.

خلاصة القول، إن الفروق بين أداء الوفد وأداء نواب الكتلة تحت قبة مجلس الشعب لا تعد أن تكون فروقًا فى التفاصيل، فداخليًا، فإن القوتين محسوبتان على اليمين الليبرالى من الناحية الاقتصادية، وهما سياسيًا من الداعين إلى تحقيق إصلاح سياسى واسع المدى. وخارجيًا فإن الجانبين يسعيان إلى المزيد من الاستقلال فى القرار السيادى المصرى، وتوسيع دائرة التعاون فى مستوى الدائرتين العربية والإسلامية والإفريقية، ورفض التطبيع مع الكيان الصهيونى والوصول لعلاقات سوية مع القوى الكبرى. وحدها المسائل المتعلقة بالأوضاع الاجتماعية تبدو فيها بعض الفروق بين القوتين. فعلى صعيد الشريعة الإسلامية رغم ما للطرفين من مواقف مشابهة فى هذا الإطار الكلى، فإن كتلة الإخوان تتمسك بمواقف الجماعة الداعية إلى المراجعة الشاملة للقوانين كى تتطابق مع الشريعة الإسلامية، ولا يجد الإخوان غضاضة وفقًا لما ذكروه فى مشروع حزبهم السياسى من وجود تنظيم مواز للبرلمان للنظر فى مشروعات القوانين قبل إدخالها للبرلمان بغية تقنينها. وبالنسبة لحقوق الأقباط فإن الكتلة تختلف عن الوفد فى عدم إطلاق تلك الحقوق فيما يخص بعض الأمور المتعلقة بالمناصب العامة التى يمكن أن يصل إليها الأقباط. وفيما يتعلق بالمرأة، فإن الوفد يدعو دائماً إلى إطلاق حرية المرأة فى المشاركة فى العمل العام، وهو أمر يقيده الإخوان ببعض القيود الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة وزيها ومجال عملها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة