التعليقات التى تكرم قراء اليوم السابع بكتابتها على مقالى الأول "الوطنية الزائفة" قلبت مواجعى، وإنى أشكر الناقدين لرأيى قبل المادحين، أود توضيح عدة أمور لم يكن يمكن الإحاطة بها فى المقال الماضى ما خلق حالة سوء فهم لدى البعض، وجر على تهما كنت فى غنى عنها.
أول الأمور أننى أدرك جيدا حجم التضحيات التى قدمتها مصر للثورة الجزائرية، ولم أشأ الإشارة إليها لأن جزائريين كبار وعلى رأسهم الرئيس الأسبق أحمد بن بللا (متعه الله بالصحة) كفونى مؤونة ذلك، ولم يفوتوا مناسبة إلا اعترفوا بفضل مصر وتضحياتها، ومن ثم فإن ذكرها وقت خلاف يعد نوعا من المن ينبغى لكل مثقف حقيقى الترفع عنه.
ثانى الأمور أقدر أيضا ما لاقاه المشجعون المصريون الذين شدوا رحالهم إلى السودان لمؤازرة منتخبنا الوطنى من لحظات صعبة ومريرة على النفس إذ أنها تأتى من أشقاء لم ننتظر منهم كل هذه العداوة التى بدت، ومن ثم لم نستعد لها على نحو يجهض نية ثلة من جماهير الكرة الجزائرية فى الاعتداء على مصريين، وأحسب انى أغار لكرامة كل مصرى على نحو لا يقبل المزايدة، فمنذ نهاية الثمانينيات بح صوتى فى المناداة بحفظ كرامة كل مصرى يتعرض للانتهاك خارج بلاده أو داخلها، لكن كثيرا ما بدا المرء وكأنه يصرخ فى بئر قديمة .. لكن السلطة التى تواطأت كثيرا على إهدار كرامة المصريين , يبدو أنها لم تنتبه إلا حين كان نجلا الرئيس مبارك جزءا من المشهد، مثلما لم ينتبه الإعلام المصرى إلى فجيعة موت الأطفال إلا حين توفى حفيد الرئيس.
ثالث الأمور اعتقادى أنى صاحب وجهة نظر أحاول قدر الإمكان الحفاظ على استقلاليتها حتى من دوافعى الشخصية، فلا أنتمى لجماعة محظورة أو غير محظورة، ولا أنا موتور من النظام .. فهذا النظام لم يمارس معى ما يجعلنى موتورا، بل أنشر رأيى فيما أشاء وقتما أشاء دون حجب أو عداوة، وهذا وإن كان من الحسنات القليلة لحكومتنا، فإنى أحترمه وأقدره وأعرف أننا محظوظون بهامش الحرية الذى نعيشه وأطمح أن يمتد من الأقوال إلى الممارسات السياسية والانتخابية. وأحسب أن بإمكانى الإشادة بالحكومة والاصطفاف معها دون حساسية .
كما أننا فى الخلاف مع الجزائر بإزاء معركة وطنية لا مجال فيها للفرز بين حكومة ومعارضة، وبإمكان اللبيب أن يرى معارضين زايدوا وتزيدوا فى الأزمة رغبة فى ركوب موجة كانت السلطة قد سبقتهم إليها.
الأمر الرابع .. أننا بإزاء إهانة فعلية لحقت بكرامة مصر .. غير أن السؤال هو كيفية الثأر لهذه الكرامة، إذا كان الأمر يستأهل ثأرا من شقيق، هل عبر العواء الإعلامى الذى لا يختلف كثيرا عن الخواء.. أم عبر مؤسسات دولة تعرف ماذا تفعل ومتى تفعل دون ضجيج أو شن حملات كراهية، إن الشعوب تظل علاقاتها أكبر من مختل هنا أو بلطجى هناك، كما أنها أكبر من حكومة هنا أو هناك نفخت فى الأزمة لإطفاء غضب داخلى ( وهذا الكلام إيماء إلى الحكومتين بالمناسبة).
بالطبع يحزننى كثيرا أننا فقدنا قدرتنا على الاستماع لآراء بعضنا المتعارضة والتسامح معها، وهذا يعنى أن الجمهور العام أصبح للأسف أكثر تماهيا مع ممارسات السلطة التى يكتوى بلهيبها، كما أن ترتيب هذا الجمهور العام لأولوياته قد أصابه خلل، فمن المؤكد أن الذين امتلكوا رفاهية الذهاب إلى السودان وإن كانوا مصريين وفيهم نخبة وبسطاء إلا أنهم ليسوا عينة ممثلة للشعب المصرى الذى يرزح نصفه تحت خط الفقر وعشره يفترسه غول البطالة وفقا للأرقام الرسمية.ومع ذلك فإن بسطاء المصريين نسوا كل احتياجاتهم الأولية وأصبح همهم الأول هو كيفية خروجنا من المونديال..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة