عندما قال المفكر الكبير/ جمال حمدان إن الحضارة الغربية تستلهم قوتها من وجود عدو تركز كرهها عليه وتتقدم من أجل القضاء عليه سواء كان هذا العدو اليهود أو الشيوعية أو حتى الإسلام، كان يقصد انتقاد الحضارة الأوروبية.. وأختلف مع هذا الرمز الكبير فى هذه النقطة بالتحديد فالبحث عن عدو يكون أحيانا ضرورة للاستمرار ومبررا للوجود.
هذا هو ما خطر لى بعد الأزمة الأخيرة بين مصر والجزائر والتى- رغم تفاهة أسبابها- أشعلت روح الحماسة فى كافة طوائف الشعب المصرى ولأول مرة منذ أعوام وربما منذ عقود يرتفع العلم المصرى فى الشرفات والطرقات والمحال.. فى أيادى الأطفال والشباب.. لأول مرة فى حياتى التى بدأت بعد معاهدة السلام بسنوات أرى معنويات شعبنا بهذه الروعة وأرى التوحد والحب الذى يجمع الكل حول مصر ولو كان من أجل مباراة كرة قدم.
لن أخوض فى تفاهة المعركة ولا فى هزيمتنا ولكن ما يهمنى هنا فيما حدث بعد مباراة السودان هو التوحد على قلب رجل واحد فى مواجهة عدو واضح ومحدد ومعروف، ما أجمل أن يكون لدينا جميعا عدو واحد! ولكن هل يعقل أن يكون هذا العدو هو الجزائر؟؟؟؟؟
هل يعقل أن تتحول دولة من شقيقة وبلد المليون ونصف شهيد بالأمس إلى بلد البربر والفرانكو والخونة والإسرائيليين اليوم؟ ولم؟ بسبب حوادث عارضة؟ بسبب مباراة خسرناها؟ بسبب علقة أخذناها- وما أكثر ما أخذنا من ضرب فى دول العالم أجمع- لم يمت مصرى فى السودان ولا فى الجزائر حسب معلوماتى ولكن جنودنا على الحدود بين مصر وإسرائيل مات منهم اثنان وثلاثة برصاص إسرائيلى، وشبابنا يموت فى مراكب الهجرة غير الشرعية، ومات أكثر من ألف مواطن فى ليلة واحدة فى عبارة الموت التى يمتلكها أحد الفاسدين من أصدقاء أعوان النظام، ذلك النظام الذى انتفض من أجل لكمات أخذها المسالمون من مصر فى السودان وهو الذى أرسلهم عزل من السلاح دون تأمين رغم معرفته بما ينتظرهم هناك.
سأقول لكم لماذا لا يعقل أن نعادى الجزائر وسأخبركم أن ما ندعيه عليها يصيبنا قبل أن يصيبهم: يقول البعض إنهم بربر وفرانكو وليسوا عربا وأنا أقول إننا لو قصرنا الانتماء للعروبة على العنصر فإننا أيضا لسنا عربا، فالمصريون قبط وإن كنا نعيرهم بعد إجادتهم للعربية واختلاط لهجتهم بالفرنسية فأبشركم بأن لدينا أجيالا من طلبة المدارس الأجنبية فى مصر لا يجيدون العربية، وثانى الأسباب أن ما يتحدث عنه البعض من تاريخ كراهية بيننا وبينهم فإن تاريخ الكفاح المشترك أكبر وأقدم وأقوى ولو استسلمنا لأقوال الهمج من عندنا وعندهم لكنا كالتى نقضت غزلها بعد أن قضت سنوات تعمل عليه، وقد يسألنى أحدكم وما الذى سنخسره إن عادينا الجزائر؟ سأجيب بسؤال: وما الذى ستكسبه مصر من معاداة الجزائر؟ أو الجزائر من معاداة مصر؟ ألهذا الحد تسيد الغوغاء وأصحاب المصالح على مواقع اتخاذ القرارات فى البلدين؟ أقولها صريحة إننى لست مطمئنة لأسباب تصعيد المواقف على الطرفين وداخلى ما يشبه اليقين بأن هناك سببا غامضا لما يحدث.. سبب من تلك النوعية التى لا تتجاوز القصور الرئاسية ولا تعرفها الشعوب فى العالم الثالث.
يا صناع القرار ويا شعب مصر أرجوكم استثمروا هذا الحشد الوطنى وابحثوا عن عدو حقيقى يستحق الكراهية، عدو وجوده خطر والقضاء عليه مكسب، والأعداء الحقيقيون ما أكثرهم واسمحوا لى أن أقترح لكم أسماء: إن أردنا أن نوحد جهود الشعب والحكومة علينا بالفساد لنعلنها حملة وطنية ضارية ضد الوساطة والرشوة والمحسوبية والاحتكار وإن كنت اعتقد أن هذا الاقتراح لن يعجب الحكومة لأن هذه الانحرافات صارت تتم برعاية الحكومة، إذن دعونا من العدو الداخلى لنتجه نحو الخارج ما رأيكم فى إسرائيل؟ دعونا نمنع دخول مواطنيها لأراضى مصر، حاكموا سفيرها محاكمة شعبية بدلا من محاكمة سفير الجزائر، أوقفوا تصدير غاز مصر لقتلة الأطفال أو دعونا من كل ذلك فلنلتزم بأضعف الإيمان دعونا نوجه لها السباب والبذاءات التى توجه للجزائر هنا وتوجه لمصر فى الجزائر.
ولأننى أعلم صعوبة توحد الشعب والحكومة دعونا- كشعب- نتخير عدوا واحدا محددا نعرف اسمه وتاريخه ، نعرف أنه هو من نزل بمصر من سابع سماء إلى سابع أرض وأنه هو المسئول عن وضع تسعيرة رخيصة ومهينة للشعب المصرى داخل بلاده وخارجها وأنه هو من أهمل فى معالجة الفساد حتى استشرى والفقر حتى توحش وترك المرض ينهش فى جسد مصر وشعبها.. ابحثوا عن عدو نحاربه ونكرهه ونعد له العدة والعتاد، لكن أرجوكم اختاروا عدوا غير الجزائر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة