سألنا المذيع الشاب فى جلسة أدبية ودية: "كيف لم تندفع كلماتكم إلى الأوراق ثائرة موجوعة موجعة إزاء كل هذا الذى يحدث؟"
-"لعل مشاعرنا تختزل الألم الآن إلى حين"
هكذا أجابه غير واحد منّا.
وبين سؤاله والإجابة- أيا كانت- توقفت كثيرا
فأنا شخصيا لا أعرف وصفاً لما أحسه
ويخيفنى جدا ما أدركه، وكلاهما سخيف أكثر منه مؤلم، ليس لأن الأمر كله ليس أكثر من لعبة ومباراة، فكرة القدم فى هذا الزمن صارت أكثر من رياضة ولم تعد أقل من مهنة ولها من التأثير ما ليس لغيرها فى كل دول العالم.
ولكن لأن هذا الذى حدث سلط الضوء على ما نعانيه حقيقة من خيبة، خيبة حياة، وخيبة أمل، خيبة انتصار، وخيبة هزائم وهزائم وهزائم!
حتى السخرية... ما عادت تجدى فى هذه اللحظات حتى أرسمها فى قصيدة أو أستدعيها لتخفف عنى
أضف إلى ذلك..... اللا منطق!
والذى هو المنطق الوحيد الذى يجعل من كل ما يحدث أكذوبة كبرى لحقائق واضحة
ومؤكدة
أكذوبة كبرى... أن حكومات تشعر بالغيرة على مواطنيها.
وأكذوبة أكبر... أن عروبة تربطنا يجب الاحتكام إليها حين يتناحر الأشقاء!
فالمواقف لا تتجزأ.
والعقائد لا تنبعث أفعالا من أكفان الشعارات.
فإذا كنا سنتحدث عن وطن يغار على مواطنيه.... فدعونا نواجه أنفسنا أن تلك الغيرة لو كانت موجودة طوال الوقت... حريصة طوال الوقت..... وفى كل منزل يتطلب ثورة لأجل كرامة مواطن، بل دم مواطن سال مرارا فوق قضبان وتجمد مرارا تحت أبحر وتصلب مرارا فوق المشانق واستـُذِل مرارا لأجل لقمة عيش، فى الداخل والخارج، لما استهان أى إنسان أو جماعة أو دولة من أقصى الأرض لأدناها بنفس المواطن الذى صار معلوما عنه للعالم أجمع... خضوع مواقفه وفقر حياته ومرض وجدانه وقهر طموحه وأحلامه... بل وتخلى جذوره عنه إلى فروع من الحزن والهم والاستسلام... حتى صارت كل أفراحه تتعلق بأقدام تدفع الكرة... لا يرى نصرا فى غيرها... ولا يرى تغييرا أبعد فى طموحه من انتصار وقتى لم تخلق قيمته إلا طول الهزائم..... وكأنه يستجدى هذه الفرحة من واقع شارك حتما فى صنعه ثم صار مقدورا عليه بلا شفقة ولا رأفة!
"يا رب مصر تتغلب عشان لو غلبت هيقتلونا هنا ومحدش هيحس بينا".
لم توجعنى عبارة كهذه العبارة التى جاءت على لسان مصرى يعيش بالجزائر مستغيثا بالله نجاة بالهزيمة قبل المباراة بأيام!!
أى قهر!!
أى قهر سلط على المصرى الذى شاء أو أبى الكون كله.....- كان وسيعود- ابن أرض العفة والكرامة والريادة والتى لن تنطلق يوما إلى كل العرب والمسلمين إلا من هنا...
هذا المواطن المصرى بكل تأكيد- كان وسيعود يوما - كريما على الله وعلى كل عباد الله.... أما الآن.. فأنا منه ومثله أتألم لهذا الهوان... والذى لا يجعلنى أفكر فى حل أو ردة فعل بقدر ما أتأمل فى سبب.... سبب يحمل على هذا الكم من الحقد والكراهية والذى ما كان ليصب فوق أى عربى أو أفريقى آخر اختارت له نتائج المباريات هذا اللقاء!
إنها الجرأة السافرة على المصرى
تلك هى المصيبة إن شئتم لأنفسكم الألم
تلك هى الوجيعة التى تقودنا اليوم إلى استمرار الخديعة خلف ردود أفعال- لا أرفضها- وان كنت أقرأها بما تحتويه من تغييب للمأساة التى تحدث طوال الوقت.
تلك هى الحقيقة صدقوها إن شئتم... أو راهنوا معى أنفسكم على مبارز آخر فى آخر صولات الجزائر للصعود للنهائيات.... حتى تصدقوا فى النهاية.... وتخسروا معى كل الرهانات على قيمة المواطن المصرى التى لن تعيدها ردود أفعال اليوم إذا لم تتغير أفعال الأمس الطويل فيه!!
أما العقائد
فحدث ولا حرج عن مخازى العروبة التى أثبتت فى كل امتحان حقيقى أنها شيعت بعد أن غنى لها عبد الحليم إلى قبر تحرس رفاته الشعارات
هم ذاتهم نفس العرب الذين عجزوا عن استخدام سفرائهم إلا فى مواجهة بعضهم البعض.... وكأنهم يوم التقى جمع اليهود بجمع المقاومة استقالوا من أعمالهم وتوحدوا فقط خلف الصمت والشجب والتنديد و الخذلان.
أى عروبة.....؟
ذكرينى يا نفسى العربية بمفردة واحدة من مفرداتها تترجم فعلا... ذكرينى يا نفسى وألجمى قلمى الذى يستبيح للورق تجريح نفسى بنفسى... واحرمينى أنفاسا تتردد فيها رائحة محترقة لحقد دفين وبربرية لن تهذبها قيم العروبة المشتتة..... فى ظل الهزائم السياسية والاقتصادية والنفسية والأخلاقية والدينية.....
ثم نبحث عن احترام العالم لنا من خلال عروبتنا
أى عبث!
تتوقف الكلمات كثيرا بداخلى... والخارج منها أقلها وجعاً.
وفى كل مرة يستدرجنى قلمى إلى السطر الذى سأضع فى نهايته نقطة منهية حديثى...
لا يأتينى السطر، ولا أجد النقطة..... إلا بقعة مائعة اللون فى روحى وأنا أقرأ رسالة وصلتنى من رقم مجهول قبل الفجر الأخير بقليل تقول: "كل سنة وانتوا مغلوبين مضروبين مخنوقين قرفانين.... المرسل منتخب الجزائر".
ولتحيا العروبة إذن!