أحيانا لا يمكن للحوار أن ينتهى، فيظل قائما، ولأنه إبراهيم عبد المجيد ظل الحوار معه قائما، وإن كانت روايته الأخيرة "فى كل أسبوع يوم جمعة" لخصت الحالة المصرية من خلال عالم افتراضى هو نفسه العالم الحقيقى بمشاكله وأوجاعه، فقد رصد إبراهيم عبد المجيد فى "ما وراء الخراب" الحالة المصرية والعربية، من خلال وضعه لأسئلة غاية فى الجدية والصعوبة وهى من نحن وماذا نريد؟ تلك الأسئلة التى كنا نعرف لها إجابات فصنعنا النهضة، وعندما غابت الإجابات غابت النهضة، كما يشير هو فى "ما وراء الخراب".
حول هذا الكتاب وغيره من القضايا الثقافية، وعن حياته هو يأتى الجزء الثانى من حوار إبراهيم عبد المجيد.
فى رواية "ما وراء الخراب" طرحت سؤالين، من نحن وماذا نريد أن نفعل، هل وجدت لهما إجابة؟
نعم وجدت الإجابة وهى إن "احنا فى مصر بزرميط"، الحقيقة أننا مصريون نتحدث اللغة العربية، والمجال الحيوى لنا هو البحر المتوسط وليست الجزيزة العربية، فالنهضة والاحتلال والحضارة والتقدم جاءوا من البحر المتوسط، وأخذنا من الجزيرة العربية اللغة والدين فقط، وغير مطلوب منا أكثر من ذلك، فلماذا نطالب بالسير على مذهب اجتماعى وهو الوهابية التى خلقت طبقة من المنتفعين عن طريق التجارة بالشعارات الدينية، وهذا هو الخطأ الذى وقعنا فيه، وهو الخلط بين المذهب الدينى والاجتماعى، فأصبحنا لا نعرف من نحن، وعندما كنا نعرف أقمنا حضارة وتقدما ونهضة، لكن بعد ذلك منذ الحقبة الرئاسية وقعنا فى هذه المشكلة، ومنذ 52 حتى 75 كان هناك دفع ذاتى بعد ذلك تراجعنا للوراء، وأصبحنا وراء الخراب.
أسئلة النهضة كانت موقفنا من الدين والآخر والهوية، تحدثنا عن الهوية ماذا عن الدين والآخر؟
كنا نمتص الآخر ولم يكن لدينا معه مشكلة عندما كنا نعرف هويتنا، بعدها انتهى الأمران، أما الدين لا توجد فيه مشكلة على الإطلاق، فنحن دولة اخترعنا الدين أيام لم يكن هناك دين، ولم يدخل دين إلى مصر وأحدث مشكلة، اليهودية والمسيحية والإسلام دخل كل منها إلى مصر برحب وسعة.
ألا يدل ترحيب المصريين بالعقائد والديانات المختلفة أيا كانت على ضعف عقيدة؟
بالطبع لا هذه قوة ثقة بالنفس، والمصريون يتعاملون مع الدين على أن هذا هو الدين المتاح دائما، فاليهودية كانت للمصرى أحسن من تعدد الآلهة، والمسيحية أفضل من اليهودية لأن الروحيات بها أعلى وأفضل والإسلام أفضل لأنه دين الوسط الذى جسد المادة والروح معا.
قلت إن الحركة النقدية والفكرية كانت أنشط من قبل بالرغم من وجود القليل من دور النشر، الآن ومع هذا العدد الكبير كيف ترى هذه الحركة؟
بالطبع سيئة لأنه قديما بالرغم من وجود القليل من دور النشر إلا أن الصحافة كانت تقوم بدورها تجاه الأدب على أكمل وجه، لكن الآن لا توجد صفحات للنقد الأدبى والصحافة تتناول الأدب بشكل سيئ، بالرغم من أن دورها هو النقد والتقييم والاحتفاء بالأعمال الجديدة، وهو ما كان معمولا به من قبل فى الستينات، لكن الصحافة الأن عديمة الإنسانية كلها شتيمة فى الدولة وتغيب عن تربية الناس على الذوق الجميل، وتلغى الصفحات عندما يأتى إعلان كما تلغى فى رمضان وكأن الثقافة "بتفطر".
ودور النشر أليس لها دور فى تنمية هذه الحركة؟
دور النشر حاليا تقوم بعمل جيد ولكن هناك من هذه الدور من تنشر "أى كلام" فتنشأ فوضى فى الحياة الأدبية، فتصبح مجموعة من الخواطر مجموعة قصصية وشوية فصول ورا بعض رواية وأى كلام يبقى شعر، وهناك دار تنشر أكثر من 300 عنوان فى السنة وتأخذ من كل شاب 1000 جنيه وهذا بالطبع شىء مؤسف وفكرت فى اللجوء لجمعية حماية المستهلك للحد من هذه الظاهرة.
نسمع دائما مصطلحات مثل الرواية الجديدة والكتابة الجديدة فما مفهومها عند إبراهيم عبد المجيد؟
ليس لهما عندى مفهوم، فالرواية الجديدة مصطلح فى التسعينات وظل النقاد يرددونها دون أن يعرفوا لها معنى، ثم قالوا إنها الرواية التى تتناول التابوهات فوجدت أن الكتاب الكبار بالفعل تناولوها قبل ظهور هذا المصطلح، بعدها قالوا إنها هى التى تتناول هوامش المدن وهو ما تناوله من قبل أيضا، ولهذا أرى أنها مصطلح بلا معنى.
ما حقيقة هروبك من الإسكندرية بحثا عن أبطال الثلاثية؟
قرأت الثلاثية وأنا فى المرحلة الثانوية، بعدها ذهبت مع المدرسة فى رحلة للقاهرة زرنا بها خان الخليلى والحسين، فهربت من الرحلة واختبأت بمسجد الحسين ومكثت به لمدة ثلاثة أيام أتجول فى شوارع خان الخليلى حتى أصادف السيد أحمد عبد الجواد وعيشة بنته التى كنت مغرما بها، كنت أنام فى المسجد ليلا وأبحث عن عمل نهارا، وعدت إلى الإسكندرية بعدها وأنا مقتول من الجوع، ولنجيب محفوظ دور فى عشقى للقاهرة، فهو من أحببنى فيها وبسببه قررت الانتقال إليها، لكنى عندما انتقلت اكتشفت أنها مختلفة ولم أحبها.
هل فكرت فى كتابة سيرتك الذاتية؟
سيرتى الذاتية موجود بالفعل أجزاء منها فى بعض الروايات مثل "البلدة الأخرى والصياد واليمام والمسافات وطيور العنبر" لكنى لا أنوى كتابة سيرتى الذاتية حتى الآن، قد أفكر فى ذلك فيما بعد، وهناك كثيرون يقولون أكتبها وأنا لا أريد ولا أراه مهما، خاصة أن السيرة عندما تكتب تكون أشبه بمناهج التربية الوطنية، يكتب فيها الأمور الحسنة فقط، أما الأخطاء فلا تذكر.
لو قررت كتابة السيرة الذاتية هل ستكتب أخطاءك؟
أعتقد ذلك.. لكنه سيكون الأمر صعبا، سأنتقى منها ما يصلح للنشر وإن عزمت الكتابة فعلا فسأكتب كل شىء من أول العمل بالسياسة وحتى الملاهى الليلة.
الجزء الأول من الحوار