تجربة شخصية مررت بها خلال العامين الماضيين.. حالة من التفكير المستميت، حالة من الحيرة والقلق، حالة من البحث المستمر لمحاولة الوصول إلى الحقيقة التى لم أصل إليها إلا اليوم، يوم خسارة مصر أمام فريق الجزائر!!
نقطة البداية كانت عندما تم قبولى فى منحة لدراسة الماجستير فى كوريا الجنوبية عام 2007 مقدمة من الحكومة الكورية، كانت أجمل سنة فى عمرى، اختلطت بخيرة الشباب من المثقفين الواعين غير المعقدين– إذا صح التعبير أيضاً- تعلمت هناك ما لم أكن أبداً أتوقع أن أتعلمه خلال فترة قصيرة، كانت أول انطلاقتى لمواجهة الحياة الحقيقية والاعتماد كلية على نفسى وسط هذا المجتمع وفى هذه الأرض.
وقد كانت العودة!! حالة من التوهان المستمر، حالة من فقدان الثقة فى النفس وفى المجتمع! حوار ذاتى مستمر: أرى معظم الشباب من جيلى تافة سطحى ساذج، ليس له أهداف واضحة، ليس له اهتمامات فكرية، ثقافة الموظفين وتجميع الأموال هى الأقرب للجميع، أين الفكر، أين الشعور وتحقيق الذات لمجرد تحقيقها! أين طه حسين وأحمد زويل من جيلى... حالة من المقارنة المستمرة بين المجتمعين (وأكرر من جيلى)، ما هو العيب؟ هل أنا أمشى فى الطريق الصحيح؟ هل يجب أن يكون لى هدف وطموح، ما هو الصح، ما ما ما...؟؟
عشت فى مأساة المقارنات المستمرة، فقدت الثقة فى كل شىء حولى حتى نفسى وأقرب المقربين إلى، تقوقعت فى ذاتى وقررت أن أعيش دور المراقب على أمل أن ألمح أحدا من هؤلاء الشباب الذين عشت وسطهم خلال تجربتى بالخارج.
لم أكن أبداَ أتصور أنى سألمح هذه النوعية التى أبحث عنها وبالتالى سأسترد ثقتى فى مجتمعى وأيضاً نفسى فى موقف خسارة فى مباراة كرة قدم!!
حتى يوم الفوز 14-11 وغيرها من النجاحات السابقة للمنتخب الوطنى فى كأس الأمم الأفريقية وما شهده الشارع المصرى من أجواء فرح وبهجة ورفع للأعلام، كل هذا لم يقلل ثقتى فى تفاهة وفراغ الشباب المصرى وغياب الهدف والفكر! فقد فعلت مثلما فعل الجميع، وحملت العلم ونزلت فى الشوارع. وقت جميل سأقضيه مع الأصدقاء والمعارف وينفض الجمع ونعود لحالة التوهان!!
المهم يوم خسارة المنتخب أمام فريق الجزائر وما لاحظته من الحزن الشديد فى عيون وأصوات الشباب من جيلى لما حدث للمصريين فى السودان بعد الخسارة، الحماس الشديد الذى شهدته فى الجروبات المتعددة التى ظهرت على الفيس بوك وخلافه والمطالبة باسترداد كرامة المصريين والتى شاركت فيها، الأفكار المتعددة التى تمت مناقشتها لتحقيق ذلك، الرسائل الواعية التى قام بعض الشباب بإرسالها للجزائريين من خلال الفيديوهات، المظاهرات السلمية التى قام بها بعض الشباب أمام السفارة الجزائرية فى مصر، الحب الجارف لهذا البلد الذى شاهدته وسمعته فى أصوات هؤلاء، كل هذا أعاد لى حقيقة ثقتى فى الشباب من جيلى وثقتى فى نفسى! لقد اتضح لى حقيقة أن المثقفين، المفكرين والواعين من الشباب مازالوا ولا يزالون موجودين. اتضح لى أن الجميع يحتاج فقط لإعطاء الثقة له. الجميع يحتاج للشعور باحتضان وحب وتقدير هذا البلد له. الحقيقة أن الجميع يريد مجرد إعطاء الفرصة له للتفريغ عن الطاقات الكامنة.
أكتب هذه المقالة وأنا كلى أمل أن يعيد المراقبون النظر فى كيفية الاستخدام الصحيح لنا، لطاقات الشباب المُهدرة. كلى أمل أن تكون خسارة مصر أمام فريق الجزائر هى بداية فرصة جديدة لاحتضان قادة المستقبل ورسم الهدف المشترك- وأكرر المشترك- كلى أمل أن أسمع أحدا يقول: نحن هنا، لن نترككم، نحن قدرات و قيادات مصرية أبوية، فكله من أجل هذا البلد!!
ولكن!! حتى لا تطغى على المقال نبرة حماسة الشباب غير المصحوبة بوعى، أو نبرة تعليق الأشياء على الغير كما قد يتصور البعض!، أريد التأكيد على خوفى الشديد من أن تكون نبرة الحماس وحب مصر المسموعة هذه الأيام نبرة مؤقتة! (لا أشك كما يزعم البعض أنها مُزيفة ولكن أخشى أن تكون مؤقتة!).. أخشى أن ينشغل الجميع بعد ذلك بأموره وأحواله الفردية ويُسدل الستار وأعود أنا شخصياً لحالة الإحباط وفقدان الأمل فى صلاح هذا المجتمع!
لذلك أريد تذكير نفسى أولاً والشباب من جيلى على استمرار الحب الحقيقى لهذا الوطن، على الإخلاص فيما نفعل، على التحلى بالمعنى الحقيقى للشخصية المصرية!
الشخصية المصرية يشهد التاريخ لها أنها من أكفأ وأقدر الشخصيات– و يٌذكرنا بذلك الصور التى رجع إليها الكثيرون منا فى الفيديوهات هذه الأيام-!. الشخصية المصرية يشهد الجميع لها أنها من أكثر الشخصيات أدباً، احتراماً، حماسةً، شهامة، ذكاء، كرما، أخلاقا... المصريون حقاً لا يعلو عليهم أخلاق فى العالم.
يبدو لى مٌخجلاً حقيقة أن نبدد كل ما فعله أجدادنا و كل ما كتبه أدباؤنا عنا- عن الشخصية المصرية- ونضرب به عرض الحائط! يبدو لى مُخجلاً أن تقف إنجازاتنا عند الأستاذ الدكتور أحمد زويل وفاروق الباز وأن يذيع الإعلام وتكتب الصحافة مانشيتات دورية عن التحرش بالفتيات والتعرض للمعاكسات!! يبدو لى مُرعباً أن يحل غضب الله علينا!!
أتمنى أن تكون خسارة مصر أمام فريق الجزائر هى حقاً بداية صفحة جديدة لرسم الأهداف المشتركة، لاسترجاع سلوكيات وقيم نبيلة أخذتها عنا مجتمعات أخرى وفقدناها نحن! أتمنى أن تكون خسارة مصر أمام فريق الجزائر هى بداية وعد جديد أساسه العمل، الأخلاق، الحب، والوحدة! فنحن قادرون ومصر تستحق!!
أكتب هذه الأفكار ممُنيةً نفسى باحتمال اعتدال حال هذا المجتمع شعباً وحكومة (صفحة جديدة زى مابيقولوا)!
وأعتقد واضح الآن العيب فين!
* معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
أمل المصرى تكتب: العيب فين؟ ماتش كرة قدم.. تجربة شخصية!!!
الثلاثاء، 01 ديسمبر 2009 02:23 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة