من قلب كلية الإعلام بجامعة القاهرة، مبشراً المصريين بفتح جديد وانتصار مذهل للإعلام المصرى، أطلق عبارته الشهيرة صريحة عالية مدوية غير قابلة للنقاش أو الجدال "لن تشاهدوا محجّبات فى التليفزيون، لأن الأساس أن مذيعات التليفزيون غير محجّبات"، ولا أعرف هل ضجت القاعة بالتصفيق الحار على هذا النصر الجديد لتكمل هذا المأساة المسرحية أم لا.
ظننت أن هناك خطأ بالخبر حين قرأته للمرة الأولى، واعتقدت للحظة أن المقصود هو ربما النقاب لا الحجاب، فلا يعقل أن يصدر مثل هذا التصريح العنصرى من رجل إعلام بحجم المهندس أسامة الشيخ، فبعيداً عن ارتداء الحجاب كفرض أقرَّ به السواد الأعظم من فقهاء المسلمين وعلمائهم، غاب عن السيد أسامة الشيخ الإعلامى المتفتح، أن ارتداء الحجاب هو أمر شخصى بحت يدخل فى نطاق الحرية الشخصية باختلافه عن النقاب تماماً، من حيث التناول أو حكمه الشرعى أو الطبيعة المهنية، فلا ضرر منه على الأداء المهنى للمذيعة، فالحجاب لا يحول مثلاً دون إرسال المعلومة من المذيعة بشكل سليم مثلما قد يفعل النقاب، وكذلك لا يفقد المذيعة هيبتها أمام المشاهدين كالملابس التى تظهر أكثر مما تخفى.
وكان جدير بالسيد أسامة الشيخ أن يتعامل مع الحجاب مهنياً – بعيداً عن المنظور والدلالة الدينية – على أنه مجرد قطعة من ملابس المذيعة التى تظهر بها على المشاهدين، لها الحرية فى ارتدائها من عدمه، فلا قانون أو لائحة داخلية للتليفزيون تأمر بأن تكشف المذيعة شعرها، ولذا لا يفحص السيد أسامة الشيخ المذيعات ليتأكد من أن أحداهن لا تخفى شعرها بارتداء الـ"باروكة" محافظا على ثقافة المجتمع!
أما حديث السيد أسامة عن أن كشف الشعر جزء من ثقافة المجتمع، فلا أدرى عن أى مجتمع يتحدث، ومن أين حصل على هذه العبارة التى صاغها على أنها معلومة مسلم بنها لا رأى شخصى! وكيف به قد تناسى أعداد المحجّبات بالشارع المصرى وبداخل الجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة، بل كيف غض طرفه عن أعداد المذيعات المحجّبات بالإذاعة المصرية أيضا، وإن افترضنا جدلاً أن كشف الشعر جزء من ثقافة المجتمع مثلما يزعم الشيخ، وأننا بصدد اعتبار المحجّبات يمثلن أقلية فى المجتمع المصرى، فالدستور والقانون ينصان على احترام حقوق هذه الأقلية – إن افترضنا كونهن أقلية - ويضمنان ألا يُمارس التمييز ضدهما، وعلى السيد أسامة الشيخ أن يعاملهن معاملة أى مواطنة مصرية تكشف شعرها، مادامت تتمتع بجنسية جمهورية مصر العربية، ومادام الدستور لم ينص بعد على أن المواطنة التى تكشف شعرها مواطنة من الدرجة الأولى، والمواطنة التى تغطى شعرها مواطنة من الدرجة الثانية!
على السيد أسامة الشيخ أن يضع معايير مهنية واضحة لاختيار المذيعات اللائى يظهرن على شاشة التلفزيون المصرى فى ظل المنافسة التى يخوضها مع الفضائيات، فليس الجمال وحده هو المؤهل لهذه المهنة ونُلقى بالفكر المستنير والذهن الحاضر والقدرة على إقامة حوار سليم فى أقرب سلة قمامة، فلم يكن الجمال يوماً شرطا من شروط هذه المهنة، وخير مثال لدينا يتجسد فى الإعلامية المتألقة أوبرا وينفرى التى لم تنل كل هذه الشهرة بسبب جمال الشكل الخارجي.
ليس على السيد أسامة الشيخ أن يتحدى القانون والدستور وأحكام القضاء كى يثبت قوته مع بداية توليه المنصب الجديد كرئيس لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعليه أن يبحث بحق عن أسباب تراجع الإعلام المصرى أمام الفضائيات، وليجرب أن يعطى الفرصة فقط للكفاءة المهنية سواء أكانت محجّبة أو غير محجّبة، ولا يحتكم فقط للشكل ويهمل المضمون.
إننى لأتعجب بشدة من الشعار الذى رفعه التليفزيون خلال رمضان "مفيش حاجة حصرى، كله على التليفزيون المصرى" وأنا أرى المذيعات المحجّبات يظهرن حصرياً على القنوات الفضائية، وتحرم مئات الفتيات المحجّبات من فرصة الجلوس على مقعد المذيع بتليفزيون بلدهم الرسمى بسبب الحجاب وفكر عنصرى!
مصطفى على النجار يكتب: حق المحجّبات وإن اعتبرهن أقلية...!
الإثنين، 09 نوفمبر 2009 03:10 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة