ظل ينتظر ليالى طويلة يفكر فى طريقة يعترف لها بما يجول فى عقله الصغير، فكرة لم يعرف ماهيتها، كان شديد الحب لها بالرغم من أنه لم يعرفها، لم يتحدث معها إطلاقا، لم ينظر بعينيها عن قرب، كل ما كان يفعله وقتها مراقبتها، تأتى للعمل، متعكرة المزاج غالبا صباحا، يتحسن مزاجها وتصبح الأروع ظهرا، يراقب تقلباتها، كلامها مع صديقاتها، ضحكاتها التى كانت تملأ المكان، طريقة ارتداءها لملابسها، ودمجها للألوان.
كان يموت عشقا من مجرد فكرة وجودها فى العالم الذى يعيش فيه، وعندما يحين وقت الذهاب للمنزل، يراها مغادرة يطمئن عليها، كأن قلبه يكاد ينفطر، يعرف أنه لن ينام ليلتها جيدا إلا إذا اطمأن عليها صباحا، يجلس طوال الليل يمرر صورها أمام عينيه، طيفها إلى جانبه، يغمض أحيانا ليتخيل أنه جالس معها فى إحدى الحدائق العامة، حديقة فى خياله، خضراء مليئة بالأشجار، يجلسان على الأرض هكذا، متحدان مع الطبيعة، يمسك بإحدى يديها، يشعر بالدفء، لا ليس دفئا، نوع من الكهرباء غريب يقتحم جسده، يكاد يقفد الوعى، يقترب منها أكثر يريد أن يتأمل عينيها، يبقى على يدها رغم محاولتها أن تسحبها من بين يديه.
ولعينيها بالطبع قصة طويلة، لم ير عييان كهاتين،أخضر مزرق، بحر وأرض وأمل، حزن يختبئ وراء تلك العينين الجميلتين، كم أراد أن يسأل ولكنه لن يفسد اللحظة، تمنى أن يخطف منها قبلة ولو كانت على الوجنة فليس مهما مكانها وإنما الفكرة بحد ذاتها له أن يتخيل ما يشاء بعدها.
هى غريبة الأطوار قليلا، لا يعجبها ما يعجب الآخرين غالبا، لها عالم تعيش فيه وله، يراها غالبا مستمتعة بين الأوراق والأقلام والدفاتر وشاشة الحاسوب الشخصى الذى تكاد لا تفارقه، يتتبع أثرها إلى المكاتبات فى أنحاء المدينة، يندهش من كمية الكتب التى تشتريها شهريا، ويتساءل بينه وبين نفسه إذا ما كانت حقا تقرأ كل هذا أم أنها تحتفظ بهذه النسخ حبا بتجميع الكتب مثلا، ومع أن هذه المراقبة كانت تقضى على وقته، لم تلحظ أبدا هى وجوده، كان بارعا، خفيفا، ولكن الجنون فى الحب كان محركه الأساسى، ودافعه، أراد أن يعرفها قبل أن يكلمها، أن يتدرب على حب ما تحب.
لم يكن يدرى بما تدرى، كانت بدورها تراقبه، تحبه حبا لم يخطر على باله، تراه فى اليقظة والأحلام، تعيش معه ساعات طوالا، أياما، وكأنها تعرفه منذ الأبد، تفتقده عندما يغيب ولو لدقيقة، لثانية، لأقل من ذلك بكثير، تشتاق له حتى بوجوده إلى جانبها، تتأمله، تتمنى أن يتجرأ ويكسر حاجر الصمت المطبق، تريده أن يبدأ الحوار بكلمة واحدة فقط، لأنها تعرف أنها ستتحدث كثيرا بعدها، لن تصمت، وسيحبها رغما عنه، ثقتها بنفسها كانت لا تهتز أبدا، وفى الحب قوية كالصفصافة، تتمنع قليلا ولكنها سرعان ما تقع مغشيا عليها من العشق، روحها تعيش لأجل الحب، ينبض قلبها لما تعرف بوجوده قربها، يتتبعها خطوة خطوة.
تصف نفسها بالمجنونة، لم تكن لتحب أحدا بهذا الجنون دون أن تعرفه، ولكن غموضه وحاجتها هى للحب دفعها تلك الدفعة القوية الشريرة، أحبته فى صمت وأثرت الهرب، تتهرب عيناها من لقاءه، كل ما تحتاجه كلمة منه ولم تسمعها، وهى بطبعها لن تتقرب من رجل محاولة إثارة اهتمامه.
هو يخاف الاقتراب، يشعر بأنها سترفضه، لن يجرب لأنه يخاف الفشل، يخاف أن تصده، كلمة لا من فمها الجميل ستقتله، لا ينام، لا تنام، لا تأكل، لا يأكل، تنتظر، ينتظر، وماذا بعد ذلك، أردت التدخل أنا كاتبة النص.
مرت من جانبه، وقع كتابها من بين يديها، كانت الصدفة هى التى جعلته يمر فى تلك اللحظة، نزل إلى الأرض، نزلت، التقط الكتاب، لامست يده الباردة يدها، لم تدر ما تقول، لم يدر ما يفعل، أينتهز الفرصة؟ أيتكلم؟ أيقول لها؟
ظل صامتا، كان أجبن من الحب بكثير، قالت بدورها شكرا، تحب أن تشرب فنجان قهوة عربية، وصلتنى صباحا، ولم أجربها بعد، قال (ويكاد يموت فرحا): أشكرك، نعم ولم لا، أنا...........وضعت أصبعها على شفتيها،أمرته بالسكوت، أرادت أن تستمتع باللحظة، كانت هى المبادرة، وتلك أول مرة تشعر بأنها هى المبادرة.
مشيا معا حتى المكتب، كانت الطريق طويلة جدا وظلا صامتين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة