نشرت صحيفة "لوفيجارو"، تحقيقاً أجراه مراسلها فى رام الله حول العنف وسوء المعاملة التى يتعرض لها معتقلو حماس لدى السلطة الفلسطينية أصبحت أمراً مألوفاً. وذهبت الصحيفة إلى أن حركة حماس استحدثت بدورها تهمة جديدة لاعتقال الناشطين، ألا وهى "التعاون مع رام الله والسلطة الفلسطينية".
تقول الصحيفة، إن الحرب الأهلية بين حماس والسلطة الفلسطينية تتم من خلال حملات من القمع المتبادلة بين الطرفين، ففى حين تقوم الحركة الإسلامية فى قطاع غزة باعتقال نشطاء حركة فتح، تتعقب حكومة محمود عباس نشطاء حركة حماس فى الضفة الغربية، حيث أصبح سوء المعاملة والتعذيب فى سجون كل من الطرفين أمراً مألوفاً، وقد توفى منذ بداية العام أربعة سجناء سياسيين فى ظروف غامضة داخل سجون السلطة الفلسطينية.
ثم تعرض الصحيفة حالتين من تلك الحالات التى توفيت داخل سجون السلطة الفلسطينية نتيجة التعذيب، ومن بينها هيثم عمرو (33 عاماً) الذى اعتقلته أجهزة الاستخبارات الفلسطينية من منزله فى الخليل فى يونيو الماضى، حيث كان يشتبه فى انتمائه إلى الجناح المسلح لحماس، وقد توفى هيثم بعد أربعة أيام من سجنه، إذ زُعم أنه قد ألقى بنفسه من الطابق الثانى من السجن خلال محاولته الفرار، غير أن هناك علامات إصابة تظهر على جسده، خاصة فى منطقة الكلى والخصيتين، مما يوحى بأنه تعرض للضرب المبرح. وقد لاحظ الطبيب السويسرى، الذى أرسلت له أسرة هيثم صور لجثته فى المركز الجامعى للطب الشرعى فى جنيف، أن جسمه لا يحمل أى جروح توحى بأنه قفز من النافذة.
يقول والد هيثم، وهو أحد نشطاء حركة فتح، غير مصدق فى نظرية حادث ابنه: "لقد تعرض للتعذيب حتى الموت على مدار أربعة أيام، وقد تجاهلوا صرخاته طالباً المساعدة، حتى توفى من جراء نزيف داخلى"، وقد اعترفت السلطة الفلسطينية فى النهاية أن هيثم مات فى السجن نتيجة تعرضه لسوء المعاملة.
وهناك أيضا فادى حمادنة البالغ من العمر (27 عاما) والذى اعتقل فى يونيو 2009، فى إحدى القرى القريبة من نابلس، حيث عثر عليه مشنوقاً فى زنزانته داخل سجن الجنيد، وقد أكدت عملية التشريح التى قام بها الطبيب الدنماركى الذى أوفدته منظمة "الحق"، وهى أقدم منظمة فلسطينية لحقوق الإنسان، وفاته عن طريق الخنق، وكشفت أيضاً عن وجود آثار للتعذيب على جسده، وإصابته بجفاف حاد ووجود قطع من الزجاج فى معدته.
وتضيف الصحيفة، أن سجينين آخرين لقيا حتفهما فى وقت سابق فى ظروف يشوبها الغموض، يقول شعوان جبارين، مدير منظمة "الحق"، إن "التعذيب يمارس الآن على نطاق واسع فى السجون الفلسطينية وقد تطورت تقنياته، حيث تلجأ الآن الأجهزة الأمنية المختلفة فى السلطة الفلسطينية إلى استخدام الأساليب التى تترك أقل قدر ممكن من الآثار، وهم غالباً ما يستوحون تلك الأساليب من الإسرائيليين، وأيضاً من الأمريكيين الذين يقومون بتدريبهم فى الأردن".
ومن ضمن أساليب التعذيب تلك الضرب بالعصا على باطن القدم، وهى طريقة مؤلمة للغاية، لكنها لا تترك آثار، وهناك طريقة أخرى منتشرة الاستخدام تقوم على تقييد السجين فى وضعية لا يمكن احتمالها لساعات طويلة.
يقول جبارين، إن "الدولة الفلسطينية التى يجرى إنشاؤها فى الضفة الغربية هى أشبه ما تكون بدولة بوليسية أكثر منها دولة ديمقراطية، وأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، اللذين يمولان السلطة الفلسطينية ويدربان جنودها، بإمكانهما وقف التعذيب فى يوم واحد، إذا ما طالبا أبو مازن بحزم معاقبة المسئولين عنه، والذين يتمتعون حتى الآن بالحصانة الكاملة".
وتذكر الصحيفة، عن منظمة الدفاع عن حقوق الانسان، أن عدد السجناء السياسيين المعتقلين حالياً خارج أى إطار قانونى فى سجون السلطة الفلسطينية، يقدر ما بين 500 و700 سجين.
ومن جانبه، يفسر سعيد أبو على، وزير الداخلية فى السلطة الفلسطينية، هذا الأمر قائلاً: "إنه لا يمكن تفسير هذه الحوادث دون الأخذ فى الاعتبار الظروف التى نمر بها، نحن فى حالة حرب.. حرب سياسية ونفسية ومالية، لقد خلقت الوحشية التى استولت بها حركة حماس على غزة حالة من الرعب فى الضفة الغربية، وكانت نتيجة ذلك ردود فعل فردية غير متكافئة من قبل بعض الضباط، وأود أن أذكركم بأن أعضاء حركة فتح قد تعلموا الكثير فى السجون الإسرائيلية".
ويضيف أبو على، أن السلطة الفلسطينية تواجه تهديداً وجودياً. فخلال غارة شنتها الشرطة الفلسطينية هذا الصيف فى مدينة قلقيلية فى الضفة الغربية ضد مجموعة من نشطاء حركة حماس، تم اكتشاف التحضير لانقلاب من جانب حركة حماس فى الضفة الغربية، على غرار غزة.
ويعترف أبو على بوجود التعذيب فى سجون السلطة الفلسطينية قائلاً: "ليس هناك شك فى وجود تجاوزات خلال عمليات الاستجواب وانتهاكات لحقوق الإنسان، نحن نأسف لهذه الأفعال، وسوف يعاقب مرتكبوها"، مضيفاً "نحن لسنا سويسرا ولكننا نحاول بناء مؤسسات دولة حديثة وديمقراطية وطى صفحة التعذيب".
وتخلص الصحيفة إلى أن حماس لا تمثل أى استثناء فى مسألة التعذيب وسوء المعاملة فى سجونها، فوفقاً لمنظمة "الحق"، هناك 33 شخصاً كانوا ضحايا لعمليات قتل بدون محاكمة منذ أوائل عام 2009. فقد أدرجت حكومة حماس فى الواقع جريمة جديدة، ألا وهى "التعاون مع رام الله والسلطة الفلسطينية"، وفتحت سجونا سرية تعتقل فيها أعضاء من حركة فتح.
