أصبت بالإحباط واليأس أثناء قراءتى لتصريحات د.وزير محافظ القاهرة بنقل مجموعة من جراجات هيئة النقل العام الواقعة داخل الكتلة السكنية إلى خارجها على أن يتم بيع أرضها فى مزاد علنى فقلت لنفسى مافيش فايدة. السبب التناقض الرهيب بالادعاء أن عملية النقل ستتم فى إطار الجهود التى تبذلها وزارة الدولة لشئون البيئة للحد من انبعاثات الهواء الضارة والمشاكل البيئية حفاظا على صحة المواطنين وبين طرح هذه الأراضى فى مزاد. المشكلة أن بيع الأراضى التى توجد فى وسط القاهرة يعنى أن تتحول لكتل أسمنتية وعمارات شاهقة أو مولات تجذب الكثير من السيارات وعوادمها وكأنك يا أبا زيد ماغزيت.
المصيبة التى يعرفها المحافظ جيدا وإن لم يكن يعرفها فعليه أن يرحل، لأن الموت يتربص بنا كوحش كاسر على أبواب القاهرة، فيبتلع فى جوفه كل عام بعض من أهلنا دون سابق إنذار. السبب أن مدينة القاهرة تعتبر واحدة من أكثر مدن العالم تلوثا من غاز ثانى أكسيد الكربون، ونسبة الرصاص تجاوزت عشرة أضعاف المسموح به فى المناطق السكانية. الكارثة أن التعرض للرصاص يعد من أشد الملوثات، التى تصيب الإنسان بتسمم فى الدم ويؤثر على جهاز المناعة والأوعية الدموية والكلى والكبد، بالإضافة إلى أن الدراسات أثبتت أن أجسام الأطفال تمتص الرصاص بنسبة أعلى من البالغين، مما يعرضهم لمخاطر أكبر. النتيجة أن الكبار والصغار والحاضر والمستقبل فى خطر حقيقى صحى ونفسى واجتماعى. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالضوضاء وارتفاع أصوات وأبواق السيارات والشاحنات، والنشاط اليومى يعرض الناس إلى تلف فى حاسة السمع. مما يطرح سؤال.. إلى متى نطلق شعارات براقة وكلاما معسولا والمحصلة إبقاء الوضع على ماهو عليه؟
فلماذا لا تتحول هذه الجراجات إلى حدائق مفتوحة ومتنزهات ورئة خضراء ومتنفسا حقيقيا لمدينة القاهرة، فالمساحات الخضراء تمثل الوجه الحضارى للقاهرة ولمصر التى ستزداد إشراقا كلما زادت تلك المساحات.. الدليل تقرير حالة البيئة لعام ٢٠٠٨ الصادر عن وزارة البيئة، يقول إن تلوث الهواء والأتربة هو أبرز مشكلات التلوث الموجودة فى مصر، خاصة فى محافظات القاهرة الكبرى لتعدد وكثرة مصادر التلوث. النتيجة أن هذه الأتربة تمثل خطورة كبيرة على الصحة العامة، حيث يتم استنشاقها وتستقر فى الرئتين لتسبب المتاعب الصحية. المشكلة وجود علاقة مؤكدة بين زيادة معدلات التلوث فى الهواء والأدخنة وبين معدلات الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والجهاز التنفسى.
وكشف العلماء فى تايوان أنه كلما ارتفعت مستويات التلوث فى الجو زادت احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية خاصة فى الأيام الحارة.
فى المقابل نجد عندما نسافر إلى الخارج شرقا أو غربا مناظر رائعة، تقودك إلى عالم لانهاية له من الراحة والمتعة التى تتدفق كأطياف الأحلام، وعلى اتساع رقعة هذه الدول لا ترى إلا الخضرة وكلما تقدمت فى السير ترى الخضرة أمامك، وعن يمينك وعن شمالك، خضرة كثيفة، نظيفة.
ما السر فى محافظة الناس فى الخارج على بيئتهم؟ سؤال يلح عليك ويلازمك أينما ذهبت، وفى أى بقعة توقفت.
وتساءلت لماذا لم يشرع أحد من ملوكنا ورؤسنا أو الزعماء أو التكتلات السياسية التى حكمت البلاد فى إنشاء حزام أخضر يحيط بالعاصمة القاهرة، ونقصد بالحزام الأخضر تشجير مناطق ضواحى المدن بأنواع من الأشجار الدائمة الخضرة والباسقة أيضا والكثيفة الأوراق لصد التيارات الرملية التى نتعرض لها بين الحين ولآخر.. لماذا لا نضيف لمسات جمالية لمديتنا وحياتنا؟ لماذا سمحنا بترييف المدن شكلا ومضمونا؟
يجب أن نفهم ونعرف أن الاهتمام بالتشجير والتأكيد عليه واجب وطنى يقع على عاتقنا جميعاً. السبب أنه يساعدنا فى حماية صحتنا وصحة أولادنا وحياتنا. إضافة إلى النواحى الجمالية والبيئية والصحية فالخضرة الدائمة تعتبر فلاتر طبيعية لتنقية الهواء الملوث المنتشر والسائد فى القاهرة ومصر..
من حقنا أن نطالب بعدم بيع هذه الأراضى فما ستحصل عليه المحافظة من ملايين الجنيهات من بيعها لا تقارن أبدا بالفائدة التى تعود على المجتمع من تحويل الجراجات الى رئة خضراء نحافظ عليها كما يحافظ المرء على عينيه. فهل نقف نتفرج إزاء هذه التصرفات أم أن الأمر يستوجب التحرك؟ أعتقد أنه لا مجال لطرح هذا السؤال، لكن السؤال المهم: كيف نتحرك لحماية حقنا فى التنفس فى بلادنا؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة