الذهن يكاد يكون خاليا، لا يوجد فيه سوى التفكير فيما سيكون المستقبل بعدما تخرج ويراه مظلما كما كل شىء مظلم حوله وكما رأى ممن سبقوه فى التخرج، من نومه ظهرا وذهنه خاليا، يجر قدمه جرا وقد حفظت خطواتها عن ظهر قلب، يضرب باب الحمام وراءه، ثم ينظر إلى مرآة الحمام بملل وقد حفظ ملامح وجهه وتقاسيمه من كثرة النظر فى المرآة، ويردد نفس الكلمات بداخله، يبدو أن وجهى فى حاجة لعناية أكثر، لقد أهملت شعرى أكثر مما ينبغى هو أيضا يحتاج إلى الاهتمام.
يصحو مما هو فيه على ضربات عنيفة على باب الحمام، أمه تناديه "أنت حتكمل نوم فى الحمام إمتى بقا ربنا يرزقك بشغل وتبقى زى بقى البنى أدمين تصحى بدرى وتشوف شغلك".
يخرج من الحمام ليفكر فيما سوف يفعله فى يومه الطويل، سأزور بعض الأقارب، سوف أقابل أصحابى الخرجين الجدد مثلى على المقهى فى المساء أو قبل ذلك لنقضى سهرتنا المعتادة، لا لا قبل ذلك يجب أن اتصل الآن بصديقتى لم اتصل بها منذ فترة، لقد قاطعتها منذ السنة الثانية فى الجامعة، ولكن لقد رجعنا لبعضنا الآن، يجب أن اتصل بها قبل أى أحد آخر.
يناديه صوت بداخله أين الطعام أين الإفطار فيذهب ليحضر لنفسه الإفطار، فأهل البيت مشغلون بإعداد الغذاء، ويعود فيردد يا ترى هو الغدا إيه النهاردة، "يااااااااااااه" الريحة حلوة قوى، حشوف أى حاجة أكلها كدا على ما الغدا يجهز.
يجلس ليفطر وهو ينظر إلى التلفزيون بلا أدنى اهتمام، وعندما ينتهى يقوم يعيد الأطباق إلى المطبخ ، ويعاود الجلوس مرة أخرى أمام التلفزيون ثم يتذكر صاحبته، فيتصل بها ويتحدثان ثم يقول "نكمل كلام بقا على النت حناخد راحتنا أكتر فى الكلام من التليفون"، ويقوم فيفتح جهاز الكمبيوتر حتى يتستطيع التواصل معها من خلال الماسنجر.
يؤذن المغرب فينهى المحادثة لشعوره بالجوع ويقوم للغذاء، ويعد ذلك يسرع بالنزول، لا وقت لزيارة الأقارب سوف يذهب إلى الخرجين الجدد مباشرة، لابد أن سهرة المقهى قد بدأت، ويغضب من نفسه لتأخره على الذهاب إليهم، لأنه بذلك سوف يجلس لينتظر دوره فى لعب الطاولة أو الدومينو، وهو لم يعتد على ذلك لقد تعود على أن يكون لاعبا لا متفرجا، فهو لا يحب أن يكون متفرجا على المقهى كما هو متفرجا على الحياة وهى تجرى من أمامه دون أن يفعل لها شيئا.
تنتهى السهرة كما تعود هو وأصدقاؤه فى منتصف الليل فيعود إلى المنزل، ليفتح جهاز الكمبيوتر من جديد ويدخل على الإنترنت يبحث عن شىء يقرأه أو منتدى يكتب فيه ويرد على أصدقاء الإنترنت، أو لعله يجد صديقته متواجدة فيواصلان حديثهما، لكن لم يجدها فيشعر بالملل يتسرب إليه، فيغلق الجهاز ويقوم محاولا النوم، ليعاود يوميته المتكررة.
هذا هو حال أغلب شبابنا بعد أن يقضوا من 16 إلى 17 سنة دراسية بخلاف ما يتكبده الأهل من مصاريف تلك الدراسة، وأحلام كانت وردية فيما مضى من الزمان، بأن يكون هذا الابن هو المستقبل للأسرة ليعوضهم عما تكبدونه، ولكن هيهات لهم أن يحلموا بذلك الآن، فلابد أن يكون عندك معارف أو شخص ذو منصب لتعمل فور التخرج من الجامعة وأحيانا كثيرة قبل التخرج.
هل العيب من الشباب بعد أن فقد الكثير منهم القدرة على التمنى والأحلام بمستقبل يرونه دائما مظلما ولا أمل فيه، إلا بالوساطة أو "الكوسة" كما يحب أن يطلق عليها الجميع؟ إلى متى يظل هذا حالنا، وهل من الممكن أن تعود تلك الأحلام الوردية التى قضى عليها الزمان ووأد الأحلام فى مهدها، إلى متى سنظل نعيش فى ذلك الركود والانتظار؟
إلى متى؟؟!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة