كان سفيراً لمصر فى عدد من دول العالم، وشغل مناصب عدة فى الخارجية حصد خلالها العديد من الخبرات، وبعد أن انتهت وظيفته بالسلك الدبلوماسى وجد سيادة السفير فى انتظاره مكتبًا مكيفًا بوزارة ما وكارتًا شخصيًا مكتوبًا عليه "مستشار الوزير للشئون الخارجية والعلاقات الدولية"... تلك كانت حالة سيادة السفير أحمد أبو الخير، مستشار الوزير بوزارة التضامن الاجتماعى، منذ عهد الدكتورة أمينة الجندى، وطوال عهد الدكتور على المصيلحى.
وهو الوضع نفسه أيضاً بالنسبة لحوالى 500 شخص طبقاً لتصريحات صفوت النحاس، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، يحملون لقب "مستشار الوزير" تدرج بعضهم فى المناصب فى القطاع الذى يعمل به حتى وصل إلى منصب وكيل أول وزارة، ثم عندما لم يعد التجديد مناسباً حاز لقب مستشار والبعض الآخر وهم غالبية يحملون اللقب بعد سنوات من الخدمة فى جهات سيادية، فيما يشغل بعض المستشارين وظائف أكاديمية مرموقة، وأغلبهم يعملون فى بشكل مؤقت وبعقود ومكافآت.
ويتمتع "مستشار الوزير" بامتيازات واسعة تنقلب لدى بعضهم إلى نفوذ يتجاوز أعتاب الوزارة، وإساءة استغلال المنصب، وحصانة تمتد لأفراد العائلة، وفيما أثبت البعض الآخر كفاءة أهلته لشغل المنصب فى أكثر من وزارة، إلا أن كم الانتقادات الموجهة لهذا المنصب وشاغليه هى السمة السائدة، خاصة مع كل فرصة يتم الإفصاح فيها عن كمية الأموال التى يتحصلون عليها كمرتبات، أو حين يكون أحد أبطال جرائم الفساد "مستشار الوزير" فهل يلجأ الوزير فعلاً إلى مستشاريه؟
السفير أحمد أبو الخير يؤكد أن أى وزارة تعزز إمكاناتها وخبراتها بمستشارين يلعبون دوراً فى تحليل المشكلات، ويطورون الأفكار والسياسات. ولا يأخذ الوزير بالاستشارة فإن القصور هنا يكون على المستشار نفسه لأنه قدم استشارة تخالف توجهات الوزارة ولا تتلاءم مع الخط السياسى للدولة، خاصة وأن أغلب مستشارى الوزير يخرجون من عباءة المناصب الحكومية أساساً.
الدكتور صلاح الدسوقى، رئيس المركز العربى للإدارة والتنمية له رأى آخر، إذ يقول إن المستشارين فى مصر لا يتم اختيارهم لأسباب موضوعية تتعلق بخبراتهم، وإنما يعتمد على معايير شخصية، وهى ظاهرة مرفوضة، فمن جهة هم يقفون عائقا أما خلق صف ثان قادر على المبادرة والمبادئة، لأن هؤلاء المستشارين لا يملكون القدرة على صنع أفكار جديدة، وإنما يقدمون حلولاً قديمة لمشكلات جديدة والمحصلة النهائية لذلك هى التخلف، خاصة وأنهم يكلفون ميزانية الدولة أموالاً طائلة، قدرها الدكتور الدسوقى بحوالى عشرين مليار جنيه سنوياً.
النائب محسن راضى، عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، يؤكد أن تكلفة مستشارى الوزراء، والوزارات تتجاوز الـ60 مليار جنيه سنوياً تصرف من بند المكافآت والحوافز فى الموازنة العامة للدولة. وبحسبة بسيطة يشير راضى إلى أن بند الرواتب فى الموازنة قيمته 78 مليار جنيه، تذهب منهم 18 مليار جنيه على الرواتب، والباقى يصرف كله فى المكافآت التى يوزعها الوزراء كما يحلو لهم ومن دون ضوابط.
ويضيف النائب محسن راضى أن أغلب المستشارين بالجهاز الإدارى للدولة موجودون فى وزارات تنفيذية لا تحتاج إلى استشارات، "مثلاً ما حاجة وزير الأوقاف إلى مستشارين". ويرى راضى أنه ينبغى الإبقاء فقط على مستشارين صناع القرار، ولخصهم فى رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء "أما ما دون ذلك من هيئات وأجهزة حكومية فلا حاجة بها لمستشارين"، خاصة وأن أغلب هؤلاء حصلوا على مناصبهم كمكافئة لهم على سنوات خدمتهم فى جهات سيادية بالدولة، ومكافئة الواحد منهم تتجاوز راتب مائة عاطل.
ومن جهته أبدى الدكتور صفوت النحاس، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، اعتراضه على ما وصفه بالمزاعم التى لا أساس لها لا من الصحة حول راواتب وامتيازات المستشارين، وقال "كل المستشارين الموجودين يتم تعيينهم من داخل الجهاز الإدارى للدولة، ويحصلون على رواتبهم من القطاعات الحكومية، مثل زملائهم، كما أن عددهم محدود جداً". فيما اضطر السفير أبو الخير الدفاع عن نفسه وعن زملائه المستشارين قائلاً، "أنا أذهب للوزارة مع الموظفين وأغادر بعدهم، وأحصل على مرتب عادى"، وأضاف أنه لو لم تكن هناك حاجة للمستشارين "لما لجأت لهم الحكومة".
إجابة قد تبدو منطقية لمستشار وزير التضامن، إلا أنها أثارت اعتراض النائب صابر الفتوح الذى قال "الكل يعلم أن الوزراء أنفسهم مجرد سكرتارية، وأنهم ينفذون توجيهات رئيس الوزراء، والرئيس". لكن إذا كان مستشارى الوزير مثلما يقول أبو الفتوح، مجرد منصب، لا يقدم مشورة حقيقية، ولا يحتاج إليهم أحد كيف نفسر أن عدداً كبيراً من الوزراء شغلوا فى يوم من الأيام منصب "مستشار الوزير".
فمن أبرز الوزراء الحاليين الذين شغلوا منصب مستشار، الدكتور أحمد أبو الغيط، وزير الدولة للشئون الخارجية، حيث كان المستشار السياسى الخاص لكمال حسن على، وزير الخارجية، فى الفترة 1982- 1984، وعندما صعد كمال حسن لمنصب رئيس الوزراء فى الفترة 1984-1985 أصبح أبو الغيط مستشاره السياسى الخاص أيضاً، ليشغل منصب وزير الخارجية بعد هذا التاريخ بأربعة وعشرين عاماً. والدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية الذى شغل فى الفترة 86-93 منصب المستشار الاقتصادى للدكتور عاطف صدقى، رئيس الوزراء، وكذلك لمحافظ البنك المركزى فى الوقت نفسه.
أما الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار، فشغل منصب مستشار اقتصادى للوزير لما يقرب من 9 سنوات بدأت من 1996، حين كان مستشاراً بمكتب وزير الدولة للشئون الاقتصادية، وحتى العام 2004، حيث شغل منصب مستشار أول لوزير التجارة الخارجية، أى فى عهد حكومتى الجنزورى وعبيد، ليصبح فى عهد وزارة الدكتور أحمد نظيف وزيراً للاستثمار.
أما الوزير محمد نصر الدين علام، وزير الرى والموارد المائية، فكان ضمن فريق المستشارين المشاركين فى وضع الخطة القومية للموارد المائية التى اعتمدتها وزارة الموارد المائية والرى حتى عام 2017.
والدكتور أحمد درويش، وزير الدولة للتنمية الإدارية، فقد شغل مناصب استشارية فى عدد من الوزارات والهيئات الحكومية، من أهمها وزارة الاتصالات والمعلومات، والمجلس الأعلى للآثار، وهيئة التنمية السياحية، واتحاد الإذاعة والتليفزيون، كما شغل منصب مستشار لبنك القاهرة وبنك الإسكندرية، فضلاً عن العديد من المنظمات الدولية، والشركات المصرية والأجنبية.
والدكتور أحمد نظيف تقلد منصب نائب رئيس المجلس الاستشارى لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء فى الفترة 1996-1999، وعمل الدكتور يسرى الجمل وزير الدولة للتربية والتعليم مستشاراً بقطاع النقل البحرى، وبالغرفة التجارية بالإسكندرية، كما عملت مشيرة خطاب وزيرة الدولة للأسرة مستشارة بإدارة العلاقات الاقتصادية الدولية عام 1989. فيما تم اختيار رشيد محمد رشيد كأحد مستشارى الاستثمار لرئيس مجلس الوزراء التركى، وذلك قبل توليه منصبه كوزير للتجارة والصناعة.
ألا يعنى ترقى شخص ما من منصب مستشار، أو مستشار الوزير إلى منصب الوزير شخصياً أنه لا تنقصه الكفاءة، وأنه كان يلعب دوراً فعالاً فى صنع القرارات. يقول النائب صابر أبو الفتوح "دى مش قاعدة، ولا يمكن تجاهل عشرات من جرائم الفساد سوء استخدام النفوذ من قبل المستشارين أم لا".
كلام أبو الفتوح لا تنقصه الوجاهة، فبالإضافة إلى الأموال والامتيازات الكثيرة التى يتمتع بها بعض المستشارين يتعامل هو وأسرته على أن له حصانة لا تُمَس. فمثلا سبق أن وجه مجموعة من أعضاء مجلس الشعب من بينهم أبو الفتوح نفسه اتهامات إلى وزير المالية د. يوسف بطرس غالى بمحاباة أحد مستشاريه على حساب تطبيق القانون. القصة تعود إلى أواخر عام 2007 بعد أن أصر موظف بجمارك مطار القاهرة على تفتيش حقائب إحدى الراكبات القادمة من البحرين، لكنها رفضت وقالت إنها "زوجة باسل الحسينى مستشار وزير المالية ولا يصح تفتيشها"، لكن أمام إصرار الموظف تم التفتيش ليضبط معها 4 كيلو جرامات ونصف مشغولات فضية حاولت تهريبهم، واتخذت ضدها إجراءات قانونية، لكن أمام نفوذ زوجها تم الاتفاق على تسوية الأمر وقامت بدفع مبلغ 11 ألف و300 جنيه كتعويض مقابل التصالح، وغرامة لوزارة التجارة قيمتها 16 ألف جنيه. المثير أن السيدة كانت محقة بشأن نفوذ زوجها فما فعله موظف الجمارك بحقها تسبب فى فصله عن العمل.
المستشارون تورطوا أيضا فى قضايا فساد تحولت إلى عناوين رئيسية فى الصحف، بعضها كانوا هم مرتكبيه فعلاً، وبعضها الآخر قبلوا أن تنسب إليهم فداء لرؤسائهم. أبرز هؤلاء الدكتور كمال عبد العزيز، مستشار وزير الصحة السابق، المتهم بتلقى رشاوى مالية وجنسية وعينية من أحد رجل الأعمال، الرشاوى المادية بلغت 150 ألف جنيه، بالإضافة لأجهزة كهربائية بقيمة 40 ألف جنيه، وأيضا طلب أفلاما جنسية ودواء الفياجرا. فضيحة مستشار الوزير كشفتها نيابة أمن الدولة التى استطاعت تسجيل مكالمات هاتفية بينه وبين الراشى. الرشاوى كانت مقابل استغلاله منصبه ليوقع على إذن صرف مبلغ 37 مليون جنيه للشركة التى يملكها الراشى.
وإجمالاً يبدو أن هذا المنصب "الاستشارى" المرموق الذى لا غنى عنه فى جميع دول العالم الديمقراطى، يواجه الكثير من العثرات لأسباب تتعلق بالخصوصية التى نتمتع بها فى مصر التى لا زالت رهن حسابات أغلبها غير موضوعية، إذ لا يمكن تجاهل التجاوزات التى تورط بها مستشارون، لكن لا يمكن فى الوقت نفسه تجاهل أهمية المنصب، أو المطالبة بإلغائه، إنما نحتاج إلى إعادة النظر وتعديل المسار، لأنه "لا خاب من استشار".
منصب "مستشار الوزير" متهم بأنه بوابة الفساد وإساءة استغلال النفوذ.. والمدافعون يؤكدون: مرتباتنا "عادية" وأبو الغيط وغالى ومحيى الدين بدءوا حياتهم مستشارين
الجمعة، 06 نوفمبر 2009 11:10 ص
الوزراء الثلاثة بدءوا حياتهم مستشارين