د. محمد سيف

نظرية المؤامرة

الجمعة، 06 نوفمبر 2009 07:05 م


يتفاوت الناس فى تعاطيهم مع ما يمكن أن يسمى "نظرية المؤامرة" بين مؤيد أو ناقد لها، مؤيد يرى أن العرب ‏(‏أو المسلمين‏)‏ مستهدفين من جانب القوى الخارجية، وأنه لن يسمح لهم بأن يصبحوا دولا مؤثرة سياسيا أو متطورة اقتصاديا أو متقدمة تكنولوجيا‏، أو قوية عسكريا، وناقد يقول إن تلك النظرية شماعة نعلق عليها أخطاءنا، ونبرئ أنفسنا من المسئولية، ونريح أنفسنا من عناء البحث عن الحقائق والمعلومات، ويتحدثون عن أن المصالح هى التى تتحكم بالعلاقات، فضلاً عن موقفهم التصالحى مع الآخر الغربى.

أما المؤيدون لنظرية المؤامرة وقيام القوى الخارجية بالتآمر على الأمة العربية والإسلامية لهم شواهد وبراهين يدللون بها على صحة رأيهم، ومن ثم فإنهم يلخصون رؤيتهم لهذه المؤامرة فى عدة محاور، منها دعم الغرب للأنظمة السياسية الفاسدة والمتعاونة معه والتى تنفذ الأجندة الغربية، وتدمير الثقافة والعادات والأخلاق العربية والدينية الإسلامية عن طريق استخدام وسائل الإعلام الحديثة مثل التلفاز والإنترنت، والسعى إلى تحقيق حالة من التردى الصحى للمجتمعات العربية والإسلامية بتصدير المواد الملوثة للبيئة إليها، وتكريس التخلف العلمى والتقنى للمجتمع العربى، وذلك لدفعه لاستهلاك التكنولوجيا وليس إنتاجها.

أضف إلى ذلك محاور أخرى مثل إفساد منظومة التعليم، وذلك بفرض مناهج للتعليم تفرز منتجا تعليميا متخلفا وفاسدا، والضغط على الأنظمة الحاكمة فى تحديد أصناف ما تزرعه وما تصنعه حتى نظل عالة على المجتمع الغربى، وفرض السيطرة والهيمنة العسكرية على المنطقة بزرع القواعد العسكرية الغربية وإضعاف القدرات العسكرية للمجتمعات العربية، وجعل الاقتصاد العربى يدور فى فلك الاقتصاد الغربى عن طريق استثمار المال العربى فى البنوك الغربية بدلا من استثمارها داخل المجتمعات العربية فيتم التحكم فيه والتهديد به، ونهب ثروات ومقدرات المجتمعات العربية بصورة أو بأخرى وليس أدل على ذلك مما يحدث فى العراق.

أما الناقدون لمنطق المؤامرة فيمكن تقسيمهم إلى قسمين، فأصحاب القسم الأول يدللون على مبدأهم الرافض لمنطق المؤامرة بأن ما وصلنا إليه من واقع هو غرس أيدينا وثمار أعمالنا ولو أن هناك تغييرا حادثا من قبلنا على مستوى الأعمال والأفعال لكانت النتائج مختلفة، وأن الغرب لا يلام وهو يبحث عن مصالحه ويحققها، فلما لا نسعى إلى مصالحنا ونحققها، فالمسألة مسألة مصالح ليس إلا، وعليه فلننسى منطق المؤامرة من قبل الغرب ولنبحث عن الأسباب التى أدت إلى ما نحن فيه ونتحرك باتجاه علاجها بعيدا عن شماعة تآمر الغرب علينا.

أما أتباع القسم الثانى فتربطهم علاقة مصالح مع الغرب فهم مستفيدون منها وليس عندهم استعداد لخسارة المكاسب التى يجنونها من وراء تلك العلاقة، ولذلك تراهم عند التحدث عن الغرب والتذكير بدوره فيما وصلنا إليه من تأخر وتخلف وتمزق وتفرق، وذلك من باب لفت النظر إلى الشراك والفخاخ التى نقع فيها والسعى إلى تجاوز المحنة التى نحن فيها والتغلب على الصعاب التى نمر بها إلا وسمعت ردا سريعا من الطرف الآخر يرد عليك أنت مريض "بداء نظرية المؤامرة"، وذلك من باب إسكاتك وشغلك بنفسك عما يكاد ويدبر لك فى الخفاء أو حتى فى العلن.

ولذلك فنحن نقول للناقدين لمنطق المؤامرة، إن رفض منطق المؤامرة كمنطق تفسيرى للأحداث والوقائع لا يعنى نكران أن هنالك تخطيطًا وتدبيرًا يحركان كثيرًا من الأحداث السياسية والتاريخية، يجب الوقوف عليه ومعرفة دقائقه، ولا ينبغى أن يفترض بالآخرين أنهم يستهدفون الخير العام للبشرية، ففكرة المصالح الخاصة هى التى تحرك سياسات الدول.

وبالمقابل نقول لمن بلغ به حد الإسراف فى سيادة منطق المؤامرة لديه وكيفية معالجته لقضاياه، وخاصةً القضايا السياسية التى تمس وجود المسلمين فى هذه البقعة أو تلك من العالم، إن استعمال منطق المؤامرة يخالف المنطق العلمى فى البحث عن العلل والأسباب المنطقية لوقوع الأحداث ومعرفة ملابساتها وأهدافها، كما أن له تأثيرات سلبية على المستوى النفسى، فيتحول منطق المؤامرة من نظرية للتفسير، إلى مثبط يمارس دورًا سلبيًّا، حتى يتم تضخيم الفاعل أو المتآمر لدرجة تُشيع العجز عن فعل أى شىء تجاه ما يحدث، أو احتقار الذات والاعتقاد بدونيتها، وهذا ما وجدناه من خلال الأطروحات التى أنكرت أن يكون أحد من العرب قد قام بأحداث سبتمبر، لعدم الإيمان بأن تخطيطًا على هذه الدرجة من الدقة العالية يمكن أن يصدرعن العرب!


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة