فى بداية الثمانينيات كنت طالبا فى جامعة الإسكندرية، وفى هذه السنوات بالذات جاءت موجة من طلاب الدراسات العليا الجزائريين اختارت الإسكندرية، لأنها تشبه المدن الرئيسية فى الجزائر، معظمها على الساحل بما فيها العاصمة، وكان أن صادقت عددا منهم على رأسهم الشاعر الكبير الأخضر فلوس، ومازالت صداقتنا مستمرة والمحبة قائمة. وفى حوزتى إلى الآن قصيدة من شعر الأخضر فلوس، خطها بخطه وزينها برسمه صديقه عز الدين ميهوبى، الشاعر والإعلامى، وهو الآن وزير الإعلام الجزائرى.
المهم أننا كنا نلعب الكرة، وكان لابد أن نلعب مصريين ضد الجزائريين بحثا عن مزيد من الحماس والإثارة، وأذكر مرة، أن اصطدم لاعبان فدفع المصرى منافسه الجزائرى وتلفظ بما يعنى استياءه. وإذا بملعب الجامعة يكاد يتحول لساحة قتال انفضت لحسن الحظ بعد جهد جهيد من عقلاء الفريقين الذين أدركوا الفوارق الثقافية بين الطرفين. فنحن، المصريين، ننفعل ونشتم ونسب ونتوعد ونكور القبضات ونلكم بها الهواء، ثم.. الطيب أحسن! أما الجزائرى فهو لا يعرف أيا من هذه المراحل: كلمة واحدة خارج النص ثم طاخ طيخ على طول!
ربما تكون الطبيعة الجبلية، ربما تكون معاناة الاستعمار الوحشى فى قمعه لتطلعات الثورة، ربما تكون الروح الثكلى فى كل بيت جزائرى فيه صورة شهيد، وما أكثرهم. المهم أن علاقتى التى استمرت سنوات مع زملاء الجامعة، وزيارتى للجزائر فى عز سنوات العنف والمذابح، وزمالتى لعشرات الجزائريين فى مؤسسات الإعلام فى أوروبا والخليج، تؤهلنى لأن أصدر هذا الحكم: أهل الجزائر هم من أطيب خلق الله، وأكثرهم طفولة فى الروح، وأرفعهم ثقافة وأفصحهم لسانا عربيا. وربما يكون كل هذا على عكس الشائع، ومع ذلك فهو الحقيقة. نأتى إلى كرة القدم والجدل القائم حول مباراة الرابع عشر من نوفمبر، ولا أدرى لماذا نحن واخدينها جد؟!
عندما يلتقى صديقان على عشرة طاولة نسمع عبارات (ح أقطعك)، و(وقعتك سودا)، و(وقعت فى إيد اللى مايرحمش). عندما يتلاقى الأهلى والزمالك – وهما متساويان فى حقوق المواطنة – نسمع عبارات المعركة والموقعة والحرب، وهل تبيض القاهرة أم تحمر، ولا نستغرب. سمعت الأهلاوية يصفون الزملكاوية بالكفر، والزملكاوية يشبهون الأهلاوية ببنى إسرائيل، ولم نستغرب. وأنا طفل شاهدت بعينى رأسى فى منتصف السبعينيات جمهور الإسكندرية وقد أتى بحمار ألبسه فانلة حمرا وطاف به الشوارع احتفالا بفوز الاتحاد على الأهلى فى نهائى الكأس، ولم يستغرب أحد!
ولماذا العجب؟ هكذا هى الرياضة وخصوصا الكرة، لا تحلو بغير هذه البهارات. هى جزء من الاستعراض الكبير، وفقرة من فقرات الحفل الممتع. ألا تذكرون معارك محمد على كلاى الكلامية قبل وبعد مبارياته؟ ألم تكن جزءا رئيسيا منها وعنصرا دعائيا لاغنى عنه؟ فلندع الصحف والبرامج تتبادل التهديد والوعيد والمعايرة إلى أن يفصل بيننا الملعب، فهذا يعطى المباراة ثوبا من الإثارة والتشويق تفتقده حياتنا بشكل عام. ولا داعى لأن نأخذ الأمور على صدرنا فنصعدها إلى الحديث عن كرامة مصر ومكانتها وقدرها وعطاياها التى لا تعد ولا تحصى، فيا ويلتا لو أن كرامة مصر كانت معلقة بنتيجة ماتش كورة! أما أنت يا فريق الجزائر، تعالى لنا بقى.. وبلا ورد ولا بطيخ.. ح نقطعك!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة