>> حادث فتاة «السى دى» الأخير يهدد بعودة المدينة إلى أيام التسعينيات حيث العنف والإرهاب.. والفتنة الطائفية
أشعل الحادث الأخير بما فيه من قتل لمسيحى، وتشهير بسمعة فتاة مسلمة، المشاعر المدفونة لدى بعض المسلمين والأقباط منذ الثمانينيات والتسعينيات، خاصة أن ديروط بها قيادات كبيرة وتاريخية للجماعة الإسلامية التى كانت تمارس العنف سابقاً، وبمجرد وقوع الحادث بدأت الشائعات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، خاصة أحداث الشغب والتكسير التى قال البعض إنها كانت موجهة ضد المسيحيين.
ورغم اتفاق الجانبين على وجود أيدٍ خارجية تعبث بأمن البلد وأن هناك مخططا لإثارة الفتنة، إلا أن كليهما يعود ليتهم الآخر، وبوجه خاص كنيسة العذراء وراعيها الذى أصبح يمثل لغزا للأهالى، فيتهمه المسلمون وخاصة الشباب بأنه وراء ما يحدث.
العلاقة بين المسلمين والمسيحيين ظاهرها الود والاحترام والمحبة، ولكن فى باطنها الإحساس بالاضطهاد والقهر، فالأقباط، كما يقول جبرائيل وقيم مدرس قبطى منكسرون ويشعرون بضعفهم، ولا يريدون الدخول فى مشاكل مع المسلمين، ومن وقت لآخر يزداد هذا الشعور وكانت مظاهرات الأسبوع الماضى خير دليل عليه.
على الجانب الآخر يشعر المسلمون بأن الأمن يتطاول عليهم من أجل الأقباط، كما يقول أحمد عبدالله موظف مسلم - مضيفاً أن الأمن لا يلتفت إلى ما يحدث من أخطاء أو مخططات من الخارج أو الكنيسة، ويحكى أن أحد الشباب عرض على فتاة التنصير مقابل 200 ألف جنيه، متسائلاً من أين جاء بهذه الأموال ولماذا تمارس الكنيسة هذا.
الأمن أصبح فى بؤرة الاتهام من المسيحيين والمسلمين على حد سواء، ووصفه صفوت إسحق مدرس قبطى بالمتقاعس، لأنه لم يتخذ إجراءات صارمة، حيث كان يستطيع، فى نظره، منع الحادث أو على الأقل يواجه الشاب المسيحى بفعلته، أو يوقف الشباب عما قاموا به من تكسير لممتلكات المسيحيين، صفوت يقول إنه يشعر بالقهر مما حدث، فكل ما يحدث ستكون نتيجته أن الفاعل مختل عقليا أو حادث فردى، ويضيف متهكما «هل البلد كلها مختلة عقليا؟».
وعلى النقيض يتهم وائل عبدالعظيم أمين صندوق الحزب الوطنى فى ديروط الأمن بأنه لم يعلن أى معلومات بعد أكثر من أسبوعين عن الحادث، مضيفا أن الأجهزة الأمنية لم تكشف ما إن كانت ألقت القبض على الشاب أم لا، وراحت تشير بأصبع الاتهام لأطراف جانبية ليس لها علاقة بالحدث الأساسى.
ولهذه المشاعر خلفيات قديمة، منذ اندلاع شرارة العنف الطائفى والاصطدام فى ديروط عام 1987 وبعدها فى 1992 قتل مسيحيان بقرية صنبو مواطنا مسلما، فانفلتت الجماعة الإسلامية فقتلت 14 مسيحيا فى مجزرة مهدت لاندلاع أحداث استمرت ست سنوات متواصلة.
وفى البداية كانت المواجهة بين الجماعة الإسلامية والأقباط، وحدثت عمليات قتل متبادل وسرقات لمحال ذهب وتكسير لمحال أخرى، إلى أن تحولت لمواجهة بين الأمن والجماعة الإسلامية والمقلق الآن أن تعود أيام التسعينيات من جديد، حتى أن شاهين كيلانى عضو مجلس الشعب يقسم بأنه لن يسمح أحد فى ديروط أن تعود أحداث الفتنة والإرهاب مرة أخرى، مؤكداً أن الحوادث الأخيرة فردية ولا يوجد أى تنظيم لها وستنتهى قريباً.
وأخرجت ديروط شكرى مصطفى صاحب جماعة التكفير والهجرة، وكذلك محمود عبدالرازق قائد عملية قتل الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف السابق 1977، وكذلك جمال زكى الأبى قائد الجناح العسكرى لفترة طويلة وجمال هريدى وصلاح رجب ومحمود الحصرى، وجميعهم من قيادات الجماعة وكانوا من ضمن المعتقلين.
ولا يوجد الآن نشاط لتنظيمات أو جماعات دينية ما عدا جماعة التبليغ والدعوة التى تزايد نشاطها السنوات العشر الأخيرة، والتى نتج عنها تزايد أعداد الملتحين الرجال والنقاب بين السيدات، ولكن لم يعد هناك نشاط لأى من المساجد أو الزوايا فى التجنيد أو تحفيز الشباب كما كان سابقا، وهو ما ظهر فى الأحداث الأخيرة التى لم يظهر لها قيادة أو تنظيم وخرجت عشوائية، وتحركوا كما يقول إيهاب محمد المحامى وأمين التنظيم بالحزب الوطنى أنه تحرك تلقائى ومجرد تعاطف مع أهل الفتاة ومحاولة للتنفيس عما يدور فى صدور البعض من شحن نفسى تجاه ما حدث.
ومنذ أحداث التسعينيات لم يقع حادث طائفى واحد حتى الآن، رغم وقوع حوادث بين مسلمين ومسيحيين، إلا أنها كانت تنتهى على أنها حوادث فردية فقط، ورغم تواجد الإخوان فى كثير من مدن الصعيد، إلا أنهم منذ القتال الدموى الذى حدث بينهم وبين الجماعة الإسلامية فى 1993 بالنادى الرياضى، لم يعد لهم ظهور.
هذا كما يقول أحمد صديق أحد المعتقلين السابقين أدى إلى تفرغ الأجهزة لتتبع خطوات أعضاء التنظيمات الدينية السابقين ونسيان مهمتهم الأساسية، ومع هذا لم توفر لهؤلاء فرصة عمل أو مصدر رزق، ولأجل هذا تتغاضى عن مخالفات وخروج عن القانون الذى يؤدى إلى انتشار العنف والتطرف لكن على الجانب الجنائى وليس الدينى.
العلاقة بين الأمن والأهالى غاية فى السوء، فانتبهت الأجهزة كثيراً لمنع خروج أى تنظيمات دينية، لكنها على الجانب الآخر تساهلت فى الأمن العام، فتزايدت حالات الاغتصاب، بل وإدارة أوكار وشقق مشبوهة فى قلب المدينة، ومشاركة طالبات من بعض المدارس فيها، بجانب اختفاء الأطفال والقتل كما حدث فى قرية مسارة وقرية ديروط الشريف التى عثر فيها على ثلاثة أطفال مذبوحين فى أقل من شهر واحد.
والآن أصبح الشحن النفسى بين المسلمين والمسيحيين، مع غياب المعلومات وعدم الشفافية وزيادة الشائعات، بخاصة حول مصير مرتكبى الحوادث الأخيرة ومنهم الشاب الذى هتك عرض الفتاة، أدى إلى التوجس واتهام كل منهما للآخر، وأخذ جميع المواقف بحساسية أكثر وتحميلها أكثر مما تحتمل.
لمعلوماتك...
>> ديروط .. تعتبر ديروط من أكبر مراكز أسيوط وهى مدينة حديثة نسبيا.. ترجع نشأتها إلى بناء قناطر ديروط الشهيرة فى عهد الخديو إسماعيل باشا، وقد نحت اسمها من اسم قرية عريقة تقع على الشمال منها بحوالى 1.5كم.
>> دور أقباط المهجر.. تدور شائعات قوية داخل المدينة عن وجود علاقة مباشرة بما يحدث فى ديروط حاليا وأقباط المهجر، وتم تسمية المحامى موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية القبطية بالولايات المتحدة كممول للأحداث الأخيرة وعناصرها بهدف إثارة المسلمين، وتقديم ما يقوم به المسلمون فى هذه الأحداث على أنها السلوك العام للمسلمين فى علاقاتهم مع المسيحيين.