أميركيون وفرنسيون وبريطانيون وصينيون وروس وسعوديون، وغيرهم.. يتدافع الزائرون منذ عدة أشهر إلى دمشق. مما يعنى تسارع إيقاع عودة سوريا إلى الساحة الدولية. فبعد ثمانِ سنوات من عزلتها التى نظمتها إدارة بوش، ها هى سوريا "الشريك الصغير السابق فى محور الشر"، كما كان يقولون فى واشنطن، تعود إلى قلب اللعبة فى الشرق الأوسط وتعمل تدريجياً على تغيير المعادلة الإقليمية لصالحها.
هذا ما ذهبت إليه صحيفة "لوموند" فى تحليلها حول وضع سوريا الآن على الساحة الشرق الأوسطية. إذ تقول الصحيفة إن سوريا تعمل الآن على إعادة تحديد رقعتها السياسية والجغرافية لصالحها فى هدوء وثبات، مع وجود رغبة جديدة لديها فى التوصل لتسوية، ولكن دون أن يبعدها ذلك كثيراً عن خطوطها السياسية والاستراتيجية التقليدية، التى تقوم بالطبع على رعاية مصالحها الخاصة وعلى معارضة هيمنة الولايات المتحدة وإسرائيل على المنطقة.
ثم تعرض الصحيفة التغييرات الأخيرة التى طرأت على موقف سوريا والتى تعكسها تطور علاقاتها بدول المنطقة، مثل تركيا التى وقعت معها فى 16 أكتوبر اتفاق تعاون اقتصادى واستراتيجى على نطاق واسع لم يسبق له مثيل من قبل، يجعل الآن الحدود بين البلدين مفتوحة على مصراعيها، ويضاعف من المشاريع المشتركة بينهما.
وفضلاً عن ذلك، تصالح نظام بشار الأسد مع الدول "الإخوة"، التى تسمى بـ"المعتدلة" والقريبة من الولايات المتحدة. فقد عادت العلاقات وثيقة إلى حد ما بين وملوك الأردن والمملكة العربية السعودية وسوريا، هذا النظام العربى الوحيد المتحالف مع العدو "التقليدى"، أى إيران ومن تحميهم (حزب الله فى لبنان وحماس فى فلسطين). ومن المفترض أن تتبع لبنان كلاً من الأردن والسعودية، وذلك من خلال زيارة سيقوم بها رئيس الوزراء سعد الحريرى الذى تدعمه واشنطن والرياض، حيث تنتظر دمشق، المشتبهة فى تورطها فى اغتيال الحريرى الأب فى 2005، زيارة الحريرى الابن "بمجرد أن ينتهى من تشكيل حكومته" كما يُقال.
أما بالنسبة لعلاقة سوريا مع العراق، فقد تدهورت من جديد. ولكن هذا الأمر يرجع إلى الظروف الراهنة، كما يؤكد مستشار رئيس الدولة السورى قائلاً: "إن رئيس الوزراء نورى المالكى الذى يواجه موقفاً سياسياً سيئاً فى بغداد بسبب ما تتعرض له من هجمات، قد فقد أعصابه عندما اتهمنا زوراً. ولكن كل الأمور ستعود إلى طبيعتها عندما يصل سياسى آخر إلى السلطة". ويضيف: "ليست لدينا أى مصلحة فى زعزعة استقرار العراق التى تمثل السوق الأول لصادراتنا".
وتشير الصحيفة إلى أن سوريا تأوى حوالى مليون عراقى منفى (والذى يعتبر نصفهم "لاجئين"، بالمعنى المعترف به فى الأمم المتحدة، وذلك وفقاً لدراسة حديثة أجراها المعهد الفرنسى للشرق الأدنى).
أما فيما يتعلق بمصر، فهى مجرد "مسألة وقت"، كما يشير المستشار الرئاسى نفسه. تذهب الصحيفة إلى أن دمشق ليست فى عجلة لإرضاء النظام المصرى الذى ظل ينتقدها لفترة طويلة والذى "لم يعد يملك سوى بطاقة واحدة فقط لا يمكنه اللعب بها فى ظل الظروف الراهنة، ألا وهى عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين". لاسيما وأن بشار الأسد يعرف أن الرئيس حسنى مبارك فى حاجة على الأقل، ليحدث نوعاً من التقارب، إلى تحقيق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، حتى لو كانت هشة. يقول ديبلوماسى غربى أن "مبارك ينتظر من بشار الأسد القيام بالضغط على حماس فى هذا الاتجاه"، إلا أن هذا الأمر ليس مذكوراً بعد على جدول الأعمال.
ثم تتساءل الصحيفة كيف يمكن تفسير هذه الأوضاع ويرجع سمير التقى، مدير مركز الشرق للدراسات الدولية فى دمشق، هذا الأمر إلى شعور قادة المنطقة بـ"الخوف"، مما دفعهم إلى "الوقوف جنباً إلى جنب". الخوف من الفراغ الناجم عن غياب أمريكا. إذ أنه على الرغم من البعثات التى ترسل بها واشنطن إلى دمشق، فإن الوعد الذى قطعه باراك أوباما فى شهر يونية بشأن تعيين سفير جديد فى سوريا – بعد أن قام بوش بسحب آخر سفير أمريكى فى 2005 – لم يتحقق حتى الآن.
وتقول الصحيفة نقلاً عن مسئول من وزارة الخارجية الأمريكية يعمل فى دمشق أن "القرار الذى اتخذته الإدارة الأمريكية الجديدة - على عكس سابقتها – القائم على الحوار، لم يتغير. ولكن يبدو كما لو كان هناك إداراتان تتنافسان فى واشنطن، ولا يمكنهما الاتفاق على استراتيجية واحدة واضحة".
وفى الواقع، وعلى الرغم من سياسة انفتاح أوباما، لم ترفع بعد أى من العقوبات التى فرضت على سوريا من قبل جورج بوش فى 2004. وفى الوقت ذاته لم تقم واشنطن، كما يتوقع الجميع، بممارسة الضغط اللازم - ولو قليلاً - على إسرائيل لتسوية ملف الجولان السورى والجزء الأكبر من الضفة الغربية الفلسطينية.
ومن جانبه، يشير المحلل بيتر هارلينج، المدير الإقليمى لمجموعة الأزمات الدولية، إلى أن موقف الدول العربية "المعتدلة" التى اعتقدت فى إعادة تحديد الثوابت السياسية للمنطقة بأكملها من قبل المحافظين الجدد فى عهد بوش "لم يكن ليصمد لفترة طويلة بدون وجود عملية سلام حقيقية". ولكن مع وجود بنيامين نتانياهو فى السلطة، تبدو هذه العملية ميتة.
ويحذر سمير التقى قائلاً: "إن الوضع أصبح خطير للغاية، فقد بدأت الدول العربية، وأيضاً العديد من الأوروبيين، بما فى ذلك فرنسا، تسأم من انتظار أوباما. لقد كان كنا جميعا نأمل بأن يقترح أوباما سياسة وجدول زمنى جديد لطمأنة المنطقة وتحقيق استقرارها. غير أن الوقت يمر، ولا شىء يحدث بعد".
للمزيد من الاطلاع اقرأ عرض الصحافة العالمية على الأيقونة الخاصة به.
لوموند:سوريا تستعيد دورها على ساحة الشرق الأوسط
الأربعاء، 04 نوفمبر 2009 01:15 م
لوموند تؤكد استعادة سوريا لدورها فى الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة