اتصل بى الأسبوع الماضى بعض الزملاء من جريدة «الصنداى تايمز» اللندنية التى أكتب فيها منذ عام 2002 يستكتبوننى هذه المرة فى مستقبل مصر المباشر على ضوء المؤتمر السنوى للحزب الوطنى الديمقراطى. مما لا شك فيه أن العالم الذى تدخل مصر فى اهتماماته مهتم أيضاً بما يمكن أن تؤول إليه الأمور لدينا على مدى العامين القادمين.
الكتابة الصحفية فى العالم الغربى ليست تماماً كتلك فى عالمنا؛ فأولاً لا وجود لديهم لما يمكن أن نسميهم «كتّاب العلم اللدُنّى» الذين يجلسون فى مقاعدهم فى انتظار أن يهبط عليهم وحى المقال من «لدُن عزيزٍ قدير»، بل إنهم يقضون وقتاً طويلاً فى جمع الحقائق من مظانها المختلفة، وهذه تفيدهم فى تحليل مستنير، وهذا يفيد القارئ، وثانياً لا يعمل أى كاتب، بمن فيهم كتاب الأعمدة الثابتة، بمعزل عن طاحونة العمل الصحفى فى غرفة أخبار الصحيفة التى يكتب لها، وإنما ينسقون ما سيكتبون مسبقاً مع المسؤول عن التحرير؛ فإما أن موضوع المقال القادم هو أصلاً فكرة هذا الأخير أو أنه على الأقل موافق على الفكرة وعلى زواياها وخطوطها العريضة، يحدث هذا فى إطار ديمقراطى مهنى يضمن أولاً اتجاهاً واضحاً ولوناً مميزاً للصحيفة، كما يوفر ثراءً فى الرؤية وعدلاً فى التناول، ولا يترفع على نظام كهذا إلا الجاهلون، ولهؤلاء أيضاً وجود بينهم، ولا يستريح له إلا العالمون، ولهؤلاء أيضاً وجود بيننا.
المهم، سعدت لاهتمام جريدة عالمية فى وزن الصنداى تايمز بما يدور فى مصر وحرصها على شرح جانب منه لقرائها الممتدين عبر قارات العالم الست، ولأن صورة المقال ارتسمت مباشرةً فى ذهنى لم أطلب، كما هى الحال عادةً، وقتاً لإعداد محاور الموضوع، وذلك على ضوء زخم متراكم من التطورات واحتقان متزايد بين عامة الشعب، وجدل متصاعد بين نخبته ومبادرات وأصداء مبادرات لا يضطر المرء معها إلى الذهاب أبعد كثيراً من الصفحات الأولى للصحف المصرية، هذا مع رسم صورة أمينة للشارع المصرى، وهى صورة على أى حال تملؤها دراما طبيعية، بينما ينعقد مؤتمر للحزب الحاكم شعاره «من أجلك أنت»، ومع إضافة فقرة عن «أُمّال لو كنتى حلوة شوية كنتى هتعملى إيه؟»، وأخرى عن فكرة هيكل «غير الدستورية»، وثالثة عن «التوك توك» ورابعة عن «مايحكمشى» سيكون لدينا موضوع يجذب القارئ الغربى ويفيده فى الوقت نفسه، أو هكذا كنت أظن.
هكذا كنت أظن حتى قاطعتنى زميلتى وهى صحفية أمريكية جادة تعيش فى لندن: «سيكون هذا مملاً وغير ذى بال، نحن نريد منك موضوعاً عن خديجة»، أعترف أننى اضطررت إلى التفتيش فى ذاكرتى قليلاً فى ضوء سيل من الهموم احتل خلايا المخ عن آخرها قبل أن أتساءل: «خديجة! زوجة النبى؟» ردت سريعاً: «لا، لا، لا، بل زوجة جمال»، جمال؟ .. «جمال مبارك» آااه، أدركت أخيراً. ولكن ما علاقة السيدة بمؤتمر الحزب الحاكم؟ «ألستَ مصرياً؟ وأليست هى سيدة مصر الأولى قريباً؟» احتمال، ولكن لن يحدث هذا إلا إذا صار زوجها رئيساً أولاً فلماذا نضع العربة أمام الحصان؟ ثم إنها اختارت، أو اختير لها، أن تكون بعيدة عن الأضواء، وحين يحدث ذلك يكون من الإنصاف أن نترك الناس وشأنهم، ولماذا لا نطرح فكرة أخرى أراها وجيهة: ماذا لو لم يكن الاسمان الثالث والرابع فى شهادة ميلاد زوجها «حسنى مبارك؟» هل كان الموقف ليختلف؟
كان من الواضح أن أحد احتمالين، أو مزيجاً من كليهما معاً، بدأ يقود المناقشة الهاتفية التى صارت فجأة ممتعة إلى نتيجة حتمية: إما أن الموضوع جاهز والمطلوب مجرد اسم يعلوه، أو أننى صرت مصرياً «أكثر من اللازم»، خرج الموضوع على أى حال فى عدد الأسبوع الماضى يحمل هذا العنوان: «الجميلة الغامضة تترقب عرش ملكة النيل.. جميلة المجتمع المتألقة على شفا بؤرة الضوء بينما تنتشر الشائعات حول طموحات زوجها فى الرئاسة»، لم تكن صدفة أن الموضوع لم يحمل اسمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة