منذ طفولتى وأنا تربيت على حب القراءة.. أذكر جدى حينما كان يزورنا، وكان يقرأ لى القصص ويمسك بالقلم الرصاص ويضع الحركات على كلمات القصة.
وكنت أرى أبى دائماً ممسكاً بالكتاب، وكانت رحلتنا السنوية إلى معرض الكتاب شىء أساسى فى حياتنا، وكان أبى يعود بكمية كبيرة من الكتب له ولنا. هذا هو الجو الذى نشأت فيه، لذلك أنا الآن لا أستطيع العيش بدون الكتاب ولله الحمد، كما أنه رزقنى بمكتبة كبيرة وعظيمة فى بيت أبى وجدت فى بيت زوجى أيضا مكتبه كبيرة. فملأت أوقاتى بالقراءة وجعلتها متعتى وعشت مع الكتاب يأخذنى من عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان، وقرأت كل الكتب التى فى المكتبة حتى لم أترك كتاباً فى المكتبة إلا وقرأته أكثر من مرة. ومنذ أيام كنا نتسوق فى سوق البلد التى نحن فيها وتوجد به مكتبة كبيرة، فذهبت إليها ووجدت فيها مجموعة جديدة وعظيمة من الكتب التى تعتبر من تراث أمتنا، فكانت فرحتى عظيمة وكأننى طفلة ذهبت إلى حديقة الألعاب، فجعلت أتنقل بين هذا الكتاب وذلك واخترت بعض الكتب وكان ودى أن أحمل كل المكتبة غير أنى أشفقت على زوجى. ومن ضمن هذه الكتب اشتريت كتاب الأعمال الكاملة للمنفلوطى.
كنت قبل ذلك سمعت بهذا الكاتب وربما كنا درسنا له بعض النصوص أثناء طفولتنا ولكننى لم أقرأ له أى كتاب من قبل. عندما قرأت كلمات هذا الرجل وجدت أسلوب رائع وموضوعات حيوية بالرغم من مرور الزمن، وجدت هذا الكاتب العظيم الذى فهم الإسلام فهماً حقيقياً فى زمن كان فهم الإسلام فيه عقيماً، فى الزمن الذى انقسم الناس فيه إما ظالمين للإسلام بجهلهم وجمودهم وإما ظالمين له بانبهارهم بالحضارة الأوروبية.
فى هذا الزمن كان هذا الكاتب العظيم يفهم الإسلام فهماً عظيماً وبسيطاً بفطرته الواضحة. فهما لا يجنح بالإسلام يميناً أو يساراً، شدنى جداً كتابه النظرات وعشت فيه أقلب صفحاته وموضوعاته بمتعة رهيبة، وتعجبت أنى لم أعرف هذا الكاتب من قبل، فكم نحن جاهلون بعظماء تاريخنا الذين قدموا لنا وللأمة الكثير، وكم نحرم أنفسنا من علمهم وأفكارهم العظيمة، لذلك أحببت أن أعرف كل الناس بهذا الكاتب العظيم الذى ربما يجهله الكثير من الشباب اليوم فى مصر وفى العالم العربى والإسلامى.
فجزاه الله عنا وعن الأمة خير الجزاء على ما قدمه لنا من كلمات عظيمة وأفكار سامية فى وقت اشتد فيه جهل الأمة.
ودعوتى لكل الناس وإلى نفسى أولاً أنه قبل أن نقرأ كتباً مترجمة أن ننظر فى تراث الماضى لعلنا نجد أشياء عظيمة توفر علينا الكثير وننهل من كنوز أمتنا وننتفع بها خير النفع فى الدنيا والآخرة.
