هل من شروط التشيع بمصر أن نمر بمرحلة الإخوان المسلمين؟
بداية ليس لنا الحق فى تقييم التجارب الدينية أو العقائدية التى يمر بها أفراد أو جماعات، فكل حر فيما يعتقد أو يقتنع، بإخلاص حقيقى أو بدون هذه قضيتهم، المهم ألا يمس هذا سلام المجتمع المصرى أو يزيده حيرة وبلبلة، وألا نُلبس المصالح الشخصية رداء الدين أو المواطنة أو حتى الحرية،فمن حق الجميع أن يسعى لإتمام صفقاته على اختلاف توجهها،ولكن ليس على حساب وطن عانى وما زال يعانى من حركات المد الدينى والسياسى فتزداد إنقساماته أكثر مما هى عليه بالفعل.
سؤالى الذى طرحته فى البداية لا يحمل اتهام مباشر أو إدانة لأحد،ولكنه مجرد تساؤل للنقاش، رأيت أن أشارككم فيه بشكل مباشر، حول ظاهرة تستدعى الاهتمام، ففى السنوات الأخيرة،خرج علينا من أسموا أنفسهم أحياناً بإسم زعماء الشيعة فى مصر، أو المتحدثين بأسمائهم، ليعلنوا لنا أن المذهب الشيعى هو المذهب الحق والواجب الإتباع،وأنه مذهب يكتسب شرعيته من تأييد آل البيت وحبهم واتباع طريقهم،بل ويزايدون على ذلك بأن مصر ذات أصول شيعية منذ عدة قرون، والأصل فى المجتمع المصرى هو التشيع، والدليل على ذلك أن الأزهر الشريف قد أنشئ فى عهد الدولة الفاطمية لنشر وتدريس التشيع فى مصر والعالم الإسلامى أنذاك، ولن ننكر تلك الحقائق التاريخية، ولكن مع خلاف بسيط، أن المذهب الشيعى فى عهد الدولة الفاطمية لم يكن أثنا عشرياً،وإنما المذهب الإسماعيلى أو السبعي، وليس الاثناعشرى كما يعتنق الشيعية الحاليين،وبين المذهبين فروقاً واختلافات عديدة،لا مجال لذكرها الأن،خاصة وأن كل ماتبقى من التشيع الفاطمى فى مصر لا يتعدى القاهرة الفاطمية وبعض الترسبات فى المعتقدات الشعبية المصرية، والتى لا تؤهل المذهب أن يكون أصل الاعتقاد الدينى المصرى كما يروجون.
ما أردت الإشارة إليه أن المتحدثين باسم الشيعة فى مصر دائماً ما يحاولون خلط الأوراق ولا أدرى لصالح من،فهناك ما هو أشد خطورة وحيرة،فأغلب هؤلاء المتشعيين أو كما يُسموا فى المذهب المستبصرين،وهو لفظ يُطلق على الداخل الجديد فى التشيع،أى اللذين استبصروا الحقيقة بعد الضلال،كانوا من أصول إخوانية، أى منتمين لجماعة الإخوان المسلمين بشكل أو بأخر،وهذا ما قد يثير العديد من التساؤلات ،والغريب أيضاً أن الهداية للمذهب الشيعى لم تأتهم إلا بعد مرحلة الثورة الإيرانية،أى فى الثمانينيات من القرن الماضي، فالثورة استقرت منذ عام 1979، والمتابع لتاريخ تشيعهم يستطيع الربط بسهولة بين الجانبين على مستوى التتابع الزمنى على الأقل!!!.
ولا يغيب أن أحد التضامن الواضح الذى أبداه الأخوان بشتى فصائلهم للثورة الإيرانية فى بدايتها وللأن،والوفود المتبادلة بين كلا الفريقين،والدعم الذى تمثلة إيران للعديد من الحركات الإسلامية،بداية بفتح فى بداياتها العسكرية،لحزب الله، وكذلك للأخوان المسلمين المتمثلة فى حماس التى تعتبر الفيصل العسكرى الإخوانى بعد مرحلة التصالح الأمنى فى الداخل المصري،فحلم الدولة الدينية هو الوحد لكل التوجهات رغم الخلافات والاختلافات المذهبية.فالمصالح الخاصة الموحدة تحت راية المطامع الدينية هى المحرك.
ودعنا نستعرض أهم الأسماء اللتى تدعى التشيع فى مصر،أولهم وأكثرهم انتشاراً (الدكتور أحمد راسم النفيس) النفيس قد أعلن فى معظم تصريحاته وحوراته أنه كان منتمى لجماعة الإخوان المسلمين، بل مارس تجنيد الشباب لصالح الاخوان لسنوات طوال،والأكثر من ذلك أنه قد تم اعتقاله فى سنة 1981 بعد أزمة اغتيال الرئيس السابق محمد أنور السادات،أى أنه أخوانى حتى النخاع،وكان عمره فى تلك الآونة قد تجاوز الثلاثين عاماً إذا علمنا أن ميلاده كان فى 1952، وأنه انتمى لجماعة الإخوان طوال تسع سنوات أى منذ مرحلة العشرينات من عمره،فمن المؤكد انه قد تشرب الفكر والعقيدة الأخوانية للنخاع،ثم قرر الدكتور وفجأة أن يتحول إلى المذهب الشيعي،مبرراً ذلك بسببين أولهما، أنه أكتشف زيف الجماعة الأخوانية،وأنهم ليسوا إلا امتداد طبيعى للوهابيين فى السعودية، بل أنه كما صرح أن الدعم الإخوانى له مصادره الوهابية على المستوى المادي،فقرر الخروج عليهم، وبالطبع هو حر،ولكن لماذا أختار التشيع كبديل للإنتماء الديني،أواجب عليه أن يكون منتمى لأى شئ والسلام!!!، لا أدرى. ولكنه اختار التشيع وبرر ذلك بانبهاره بالنموذج الإيرانى الذى سلب لب العالم فى ذلك الوقت، فقرأ فى التشيع، ولم يحدد التشيع بشكل عام ،أم الإيرانى تحديداً، فكتب التشيع متاحة قبل الثورة وبعدها،ووجد أن الأصح هو المذهب الشيعى الذى تمكن معتنقيه من تأسيس دولة بهذا الحجم فى إيران. ويظل التساؤل عن كنه هذا التحول، فهل هو تحول مذهبى دينى خالص؟؟ وهل رجل تربى فى كنف الفكر السياسى الدينى فى جماعة الأخوان من الممكن أن يفصل الدين عن السياسة،وعن دولة الدين أياً كانت شيعية إيرانية أم سنية إخوانية؟؟؟أشك.
ودعنا من النفيس، فليس هو النموذج الأول ولا الأخير، فهناك متشيع أخر كان قد ملأ الدنيا كتابة و مؤلفات،حول أحقية اتباع المذهب الشيعى!!،وهو (صالح الورداني)،هذا الرجل كان هو كذلك من فلول الأخوان المسلمين، وانتمى جدياً لجماعة الجهاد، ومن ضمن المعتقلين كذلك فى نفس الفترة التى تلت الاغتيال، ومر بنفس المرحلة بعد الثورة الإيرانية، فانبهر بها ثم كالعادة قرأ فى التشيع ثم تشيع،وبدأ يصدر لنا أفكاره الخاصة عن المذهب الشيعى، وقدرته الحركية فى تأسيس الدول،وعمق فلسفته،ولكن المفاجأة تأتى فى عام 2005 حين أعلن أن قد كفر بالتشيع، ويدعو إلى إسلام بلا مذاهب،كان مبرره فى هذا عجيباً، فقد صرح أن أموال المرجعيات الشيعيةـ فلكل شيعى مرجع له يلتزم برأيه وفتواه ويعطه الخمس من أموال الزكاةـ خاصة أموال الخمس التى يتحصل عليها أولئك المراجع لا تصرف بشكل صحيح لخدمة آل البيت ومتبعيهم،بل تُصرف لصالح الاختراق الإيرانى الشيعى للعالم العربى، ومتورط فى ذلك شيعة الخليج ولبنان، هذا ما صرح به،لذا قرر أن يترك التشيع لفساد أهله ورموزه.
الغريب أنه قد اكتشف هذا الفساد بعد عشرين عاماً من التشيع أى منذ عام 1985، مما أثار حفيظة بقية الشيعة العرب والمصريين عليه،وعلى رأسهم النفيس الذى أعتبر تصريحات الوردانى تدينه هو، وأنه لا يسعى إلا لمصالحه الشخصية،فما علاقة فساد بعض المراجع الشيعية بتركه التشيع ككل!!. وحقيقة لا أعلم هل الوردانى وحده من كان يسعى إلى مصالحه الشخصية.؟؟؟.
فالتحولات الأخوانية الشيعية قد تشربت بمفهوم المصلحة الذاتية منذ البداية، ولكن الأخطر عندما ينال هذا التحول العجيب برجل من رموز القضاء المصري،وهو (المستشار الدمرداش العقالى)، فالمستشار الدمرداش من المشار إليهم فى مجال التحول الشيعى فى مصر، ومسيرته قد جمعت بين العديد من المتناقضات على المستوى الفكرى والعقائدي،فقد عمل الدمرداش فى السلك القضائى المصرى إلا أن وصل لمستشار ورئيس محكمة الإستئناف،بل أنه أصبح من ضمن المستشارين القانونيين لرئاسة الجمهورية، و كان عضواً فى مجلس الشعب ،ثم مستشاراً قانونياً بعد ذلك للملك فهد فى السعودية، ،والجدير بالذكر أنه كان من ضمن جماعة الأخوان ،ومن تربى على يد حسن البنا،.أى أنه رجل ذو جذور أخوانية ويعتبر سند قانونى وفقهي.ومن المؤكد أنه قد اطلع على التشيع فى جذوره الفقهية فى مراحل حياته المختلفه،ولكنه لم يعلن تشيعه الحقيقى إلا مؤخراً وبعد الثورة الإيرانية كذلك.و صرح أن أسباب تحوله للتشيع كانت منذ بداية عمله فى القضاء،حينما قارن بين فقه الطلاق عند السنة فى مذاهبهم،وعند الإمام جعفر الصادق فى الفقه الجعفرى الإمامي،وذلك بعد قضية طلاق عرضت له أثناء عمله فى الصعيد،وأن من هداه إلى قراءة الفقه الجعفرى كان الشيخ (محمد أبو زهرة)،والعجيب أن قصة المستشار العقالى تحوى داخلها تناقضها،فكيف وصل إلى مرحلة القضاء ولم يكن عالماً بالفقه الجعفري؟؟ ،ولكن الأشد تناقضاً،أنه لم يعلن تشيعه النهائى إلا بعد عودته من السعودية،أى بعد ما يزيد عن عشرين عاماً من هذه الواقعه،وكما يؤكد أن مرحلة سفره تلك كانت هى السبب الثانى فى تشيعه،حيث أتيحت له فى هذه الفترة قراءة معظم كتب التشيع التى كان مسؤولاً عن إجازتها من عدمها فى السعودية،وكذلك كتب السنة،فأكتشف!!!مدى تناقض المذاهب السنية أمام إتساق التشيع وتماسكه حسب زعمه،وكأن كل هذه الكتب لم تكن متوفره فى مصر!!،فسيادة المستشار قد مر بمرحلة القضاء المصرى ووصل لأعلى المراتب الممكنة،متزامناً ذلك مع انتماءه للأخوان المسلمين،ثم تلى ذلك قمة الإستفادة من السفر للخليج والعمل خارج البلاد وهى المرحلة التى كان من المستحيل أن يعلن تشيعه فيها،والأن يُعد من أهم المتشيعين وأكثر دعاتهم نشاطاً من خلال مؤتمراته وندواته فى البحرين والكويت وإيران،وبالتأكيد مصر.
وأعيد فأكرر،شخصياً لست ضد التنوع المذهبى أو الديني،فالحق فيما يراه كل فرد أنه الحق،ولكنى ضد وبشكل مباشر أن تكون التحولات الشيعية تلك استكمالاً لفكرة الدولة الدينية التى فشل الأخوان فى تأسيسها منذ تأسيس جماعتهم عام 1928،وإلى الأن،ونجح آيات الله فى تكوينها فى إيران،فشخصيات تربت فى كنف حلم الأخوان من الصعب أن يتخلصوا من هذا الحلم مهما تبدلت أشكال قناعتهم المذهبية والدينية.خاصة وأن للمشروع الشيعى من يدعمه بشكل حقيقى وملموس داخل إيران وخارجها مما يعود بمصالح خاصة لكل من يدخل هذه الشبكة الأخطبوطية،وقى الله مجتمعنا شر الفتن والإنقسام.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة