محمود طرشوبى

الحرب القذرة

الإثنين، 30 نوفمبر 2009 07:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلما قرأت أو شاهدت أى خبر عن أحداث مباراة مصر والجزائر أتذكر كتاب (الحرب القذرة)، وهو الكتاب الذى أثار ضجة كبيرة حين صدوره عام 2001 فى فرنسا، ولم يثر أى كتاب حول الحرب الأهلية فى الجزائر ما أثاره كتاب "الحرب القذرة" فهو شهادة ضابط سابق فى القوات الجزائرية الخاصة "92-2001" فر من الجيش وروى ما يصفه بدور الجيش فى المجازر ضد المدنيين فى الريف والقرى.

مؤلف الكتاب حبيب سويدية (31 عاما) اضطر إلى مغادرة الجزائر وسعى للجوء إلى فرنسا بعدما سجن فى الجزائر، وفى فرنسا قرر أن يتكلم لتكون هذه هى المرة الأولى التى ينشر فيها عضو سابق فى الجيش الجزائرى كتابا يتضمن شهادة صريحة وكاملة عن أحداث المواجهة بين الجيش والإسلاميين فى الجزائر، وبعد صدور الكتاب قامت أجهزة الأمن والجيش ولم تقعد من جراء ما اعتبرته أخطر اتهام و"تزوير" يوجه لها منذ بداية الأزمة بين النظام والمعارضة الإسلامية، وتم تنظيم ندوات وشهادات معاكسة من قبل مواطنين من سكان القرى والأماكن التى ذكرها الكتاب تدحض ما ورد فيه من أن مجازر نفذت فيها على يد الجيش.

ويقول سويدية إن ما حمله على نشر الكتاب هو الشعور بالندم ومحاولة هدم جدار الصمت الذى يحيط بجرائم الجيش، مشيرا إلى "رغبته فى إراحة ضميره وتحرير نفسه" من المشاركة فى تلك الجرائم التى ترتكب بحق الإنسانية بفضحها وشجبها بأشد النعوت والأوصاف.
ويقول "لقد شاهدت الكثير والكثير من انتهاك الكرامة الإنسانية إلى حد لا يمكننى البقاء معه صامتا".

أما العامل المباشر الذى حمل سويدية على تسطير شهادته فى هذا الكتاب فكانت زيارة الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة فى يونيو/ حزيران 2000 إلى فرنسا، فهو يقول إنه شعر بالاشمئزاز من الحفاوة البالغة التى استقبلت بها الحكومة الفرنسية بوتفليقة وتغاضيها عن كل انتهاكات حقوق الإنسان المريعة التى ارتكبتها حكومته فى الجزائر، وتغليبها للاعتبارات السياسية والاقتصادية عليها.

ولكن يبقى أن المهم فى رواية سويدية هو ما يرويه عن مشاهداته ومشاركاته الشخصية فى "القوات الخاصة" التى كانت مهماتها "قذرة" كما يقول، فبعد انضمام سويدية إلى هذه القوات شهد بأم عينيه صنوف الرعب والعذاب، فمثلا يقول إنه شاهد حرق زملائه حدثا يبلغ 15 عاما وهو حى يرزق، كما وقف على مشهد ذبح الجنود المتخفين على هيئة إرهابيين لمدنيين فى قراهم، وبقر بطن الحوامل منهم، وإشعال النار فى بعض المبانى وإلقاء القبض على مشتبه به وإعدامه دون الاكتراث بمحاكمته، لكى ينسب ذلك إلى الإسلاميين.

وهذه الشهادات التى تثير الاشمئزاز وتثير التساؤل عن دقتها فى آن واحد، تجعل هذا الكتاب متفردا فى تسليط الضوء على مسائل لم يكشف عنها من قبل ليس فقط فيما يتعلق بالمواجهة مع الإسلاميين بل وفيما يتعلق بكيفية تسيير الأمور داخل الجيش الجزائرى نفسه، وسطوة جنرالاته وغسل أدمغة جنوده، وكذا عمليات التطهير الداخلية الرامية إلى تخليصه من أى أصوات معارضة، والمخدرات، والتعذيب والإيذاء.. إلخ.

والأمر الأكثر خلافية الذى يطرحه سويدية بتفصيل ومشاهدات وأدلة هو القول بأن جنرالات الجيش الجزائرى لم تكن لهم مصلحة فى "استئصال" الإسلاميين، بل إن الهدف الأساسى لأولئك الجنرالات كان فى واقع الأمر هو تدمير أى معارضة سياسية حقيقية فى البلد من أجل الإبقاء على السلطة والموارد المالية فى أيديهم حتى لو أدى ذلك إلى دفع المجتمع كله إلى مربعات التطرف والعنف.

هذه خلاصة كتاب "الحرب القذرة" والذى برز فيها كيف يتحكم الجيش فى الجزائر فى مجريات الأمور، وهو التابع المخلص لفرنسا، لدرجة أن فرنسا هددت أنه لو وصل الإسلاميون إلى الحكم فى الجزائر فسوف تتدخل عسكريا، ورغم ذلك لم نجد أى رد من المؤسسة العسكرية تجاه دولة أخرى تعلن أنها تتدخل فى شئونها الداخلية ولو بالقوة العسكرية.

إن الثابت فى السياسة الجزائرية أن الجيش هو المتحكم الفعلى فى سياسات الدولة، ولذلك هو المتهم الحقيقى وراء كل الأحداث التى شاهدتها مباراة مصر والجزائر فهو الوحيد الذى يملك جميع الصلاحيات سواء لخروج هذه الأعداد من السجناء، لكى يمارسوا البلطجة فى السودان على الجماهير المصرية، وهو الذى أخرج هذا العدد من الطائرات، حتى إن معظم الصحف التى قادت الحملة ضد مصر أشارت بعض التقارير إلى علاقتها ببعض قيادات الجيش.

ولست أعفى الجماهير الجزائرية من الانسياق الكامل وراء القيادة العسكرية، التى تمادت فى أفعالها واعتبرت نفسها فى حالة حرب مع المصريين، وكان يجب منها التعقل والبحث فى أسباب هذه الإثارة المتعمدة من قبل الجيش، والمعروف دوافعها من استغلال الحدث للتغطية على الفساد المنتشر فى البلاد خاصة فى قطاع النفط، واستمرار سياسة العمولات والسمسرة داخل معظم قطاعات الدولة وخاصة الجيش.

وكان يجب من الشعب الجزائرى النظر إلى أن مايجمعنا أكثر من ما نفترق بسببه، وهى فى النهاية كورة، فالعروبة والإسلام والتاريخ المشترك كان يجب النظر إليهم عند بدء أى تصرف.

أما الإعلام الجزائرى فقد نزل فى هذه الأحداث إلى درجة من الانحطاط والسوقية والبذاءة لدرجة لم تصل إليها صحف الإثارة و الجنس، فهو لم ينقل عنه أثناء حرب غزة مثل هذه الحملة على اليهود ولم ينعت اليهود بأى صفة من الأوصاف التى وصف بها المصريون، ولكن اليهود أقرب إليهم منا، ولذلك لا يجب أن يكون أى تعاون من أى نوع من قبل مصر وإعلامها مع الإعلام الجزائرى قبل أن يكون هناك اعتذار على نفس القدر الذى أصابنا منها .

أما القيادات السياسية فى البلدين فهى القاسم المشترك فى الأحداث، وهى التى تركت الأحداث تظل إلى ذروتها من أجل إلهاء الشعوب فى أمور كروية من أجل التغطية على الفساد الحادث فى البلدين ومشروعات التوريث المنتظرة، والآن يأتى العقيد القذافى لكى يدخل فى مصالحة بين البلدين وكأنه حادث مفتعل، ولم يخطط له ولم يتم استغلاله من قبل الأنظمة.

إن السفارة المصرية فى الخرطوم كان يجب أن تنتبه إلى ما يدبره الجزائريون، وتعمل على إفشال هذا المخطط عن طريق الخارجية المصرية التى تمنع الجماهير المصرية من السفر بهذه الأعداد وبهذه الكيفية بدون حراسة وتواجد أمنى مصرى، ولكن الحكومة دائماًَ ما تضع كرامة المواطن فى هامش الأولويات بالنسبة لها، ودعنا ممن يحب ركوب الموجة مثل رئيس مجلس الشورى فى تصريحه الأخير، أو بعض السياسيين من الحزب الوطنى فهو كلام لا يرتبط بتصرف ناهيك عن أنه بعد حدوث هذه الحرب القذرة من الجيش الجزائرى على الجماهير المصرية.

أما كلمتى إلى الجماهير المصرية الغاضبة فلها الحق فالغدر عندما يأتى من الأخ فهو جرح غائر صعب الشفاء، ولكنى أريد أن أرى هذه الغضبة القوية مرة أخرى عندما ينفذ مسلسل التوريث المطروح فى مصر، أو عندما يتم تزوير الانتخابات فى العام القادم.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة